تظل الحرب التجارية في صلب حملة الرئاسة الأمريكية المقبلة في عام 2024، حيث يستغل المرشحون المحتملون فكرة انعدام الثقة العميقة في الصين، للعزف بقوة على هذا الوتر المكسور، ولهذا يتخذ الحزبان الجمهوري والديمقراطي وضعية متشددة إزاء التجارة متعددة الأطراف بشكل عام، ويكفى أن نعلم أن المرشحين الأوفر حظاً، بايدن وترمب، يدفعان باتجاه فرض تعريفات جمركية خطيرة ستضر بالوظائف، وبالدول المرتبطة بالاقتصاد الصيني، وهذا الأمر سيضع الاقتصاد العالمي في ورطة، وعلى ما يبدو، فإن ترمب الأكثر حماسة في هذا الاتجاه، يعكف مستشاروه على إعداد مخططات لرفع الرسوم الجمركية، ليس على الصين فقط، بل على العديد من الدول، وفي كافة المجالات بنسبة 10 %. يشكل العداء للصين، الشغل الشاغل للرأي العام الأميركي، حيث يدفع المرشحون المحتملون باتجاه حتمية المواجهة مع التنين الصيني، حتى أن المرشحة الجمهورية نيكي هيلي، فقدت دبلوماسيتها المعهودة، وهي السفيرة السابقة لدى الأممالمتحدة، وبدأت تدعو صراحة إلى مواجهة لا هوادة فيها مع بكين، وقد طالبت مراراً بزيادة الضغط عليها، عبر زيادة الرسوم الجمركية بشكل مكثف، والنتيجة المنطقية لأي حرب تجارية هي تباطؤ النمو، ولا يجب أن نتوقع نتيجة مختلفة، وهذا الأمر سيؤدي بالنهاية للإضرار بالمستهلكين، وسيؤذي صادرات تكنولوجية نوعية مثل قطاع أشباه الموصلات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة الحيوية. تاريخياً، لم تكن الحرب التجارية إلا مجرد مأساة اقتصادية، ولننظر مثلاً إلى فترة الكساد العظيم، التي أعطت درساً مجانياً لجميع الدول، ففي تلك الفترة، رفع الكونجرس الأميركي التعريفات الجمركية على واردات الدول بمقدار 20 نقطة مئوية، ليصل متوسط المعدل إلى 40 %، وهذا الأمر فاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة في حقبة الثلاثينات الميلادية، فانكمشت حركة التجارة الدولية بنحو الثلثين، وفقدت صناعة التصدير القائمة على التبادل العادل وظائفها الأساسية، وأبرز مثال على ذلك، منع الولاياتالمتحدة واردات الملابس من بنجلاديش، بهدف إعادة الوظائف إلى مصانع الملابس الأميركية، وهذا الموقف الأميركي المتشدد كلف كبرى الشركات مثل "مايكروسوفت" و"فورد" خسارة مبيعات هائلة في الخارج. ليس غريباً، أن يؤدي فرض المزيد من الحواجز الجمركية إلى ردود فعل انتقامية من جانب أصدقاء أميركا وأعدائها على حد سواء، حيث تنكمش التجارة الدولية، ويصبح الناس أكثر فقراً، وتنخفض الإنتاجية، وفضلاً عن ذلك، يخسر الأميركيون اقتصاديات الحجم الكبير في الصناعات ذات التقنية العالية، ولا شك أن تباطؤ التجارة يدفع إلى تدهور الأرباح، ويهدد بتراجع الإنفاق على البحث والتطوير في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والأدوية الجديدة وتكنولوجيا البطاريات، وربما لا يعلم الكثيرون أن الرئيس بايدن، لم يختلف كثيراً عن ترمب في التصدي للصين، حيث أبقى بايدن على معظم الرسوم الجمركية التي قررها سلفه، بالرغم من فشل هذه السياسة في تعزيز التصنيع الأمريكي، وربما تبدو الإشكالية هنا شعبية ونفسية بالأساس، وأعنى بها، مدى تقبل الأميركيين لفكرة التعاون الدولي مع الصينيين، وهكذا، يبدو السؤال: هل سيسمح الأميركيون لأي رئيس مقبل بتخفيف التوترات مع الصين، التي يدركون أنها تسعى بكل قوة لتبوؤ عرش الاقتصاد العالمي قريباً؟