يشهد عالم كرة القدم حركة انتقالات صيفية تاريخية، يستفيد من هذه الانتقالات جميع الأندية السعودية والتي جعلت الدوري السعودي للمحترفين وجهة لنجوم العالم القادمين من الدوريات الأوروبية، والتي ينظر لها عبر التاريخ بالأعلى: قيمة، مهارة، منافسة ومشاهدة. تستعرض هذه المقالة قراءة للاستراتيجية السعودية الملهمه وغير المسبوقة في تاريخ كرة القدم: وأسباب استقطاب هذا الزخم من نجوم ومدربين كرة القدم العالميين. يجب التوضيح أولاً أن الاستراتيجية السعودية مختلفة تمامًا عن استراتيجية الصين وأميركا أو بعض الدوريات الخليجية، والتي عُرفت أنديتها كوجهات لنجوم كرة القدم شبه المعتزلين في آخر عام أو عامين من مسيرتهم الكروية. على الرغم من الاهتمام العالي بالرياضة في هذه البلدان إلا أنه مازال لديها ضعف نسبي في دوري وثقافة كرة القدم مقارنة بالرياضات الأخرى، وبالتالي الهدف من استقطاب نجم كرة قدم في تلك البلدان هو غالباً لزيادة الاهتمام والجذب الشعبي للرياضة. إذاً، إن ما تقوم به الأندية السعودية من صفقات انتقال ليس لتكون الوجهة الأخيرة للاعبين قبل الاعتزال لسببين: أولاً، لأن الدوري السعودي الممتاز لكرة القدم هو الأول آسيوياً والأكثر مشاهدة بين الدوريات العربية، ورياضة كرة القدم هي الأكثر شعبية بين السعوديين كممارسة وجماهيرية وبالتالي ليس هناك حاجة لترويج رياضة كرة القدم. ثانياً، متوسط أعمار اللاعبين الأجانب المنضمين للأندية السعودية هو 28 عاماً فقط، وهذا يؤكد أنهم بعيدون عن عمر الاعتزال بخمس إلى ست سنوات. ثالثاً، هذا التحرك قد يفسر ببساطة كرغبة "لجذب انتباه العالم". في الواقع، ومن وجهة نظر شخصية، مرحلة جذب الانتباه تم تجاوزها بمراحل، بالنظر للخمس سنوات الماضية، مجموعة القرارات السياسية السيادية، القمم السياسية المستضافة ومخرجاتها وتنوع قادتها، المشاريع والمدن المعلن عنها وإلهامها للعالم، التقدم التقني والعسكري والتعليمي، الإنجازات والاستثمارات الرياضية والاستضافات للأحداث الرياضية، والترشح لاستضافة إكسبو 2030، والقائمة تطول، جعلت من السعودية محط اهتمام وانتباه العالم على مختلف الصعد والاهتمامات. لذلك لا يمكن اختزال تفسير انتقال أهم لاعبي كرة القدم إلى فكرة جذب انتباه العالم فقط. إن الهدف من هذه الاستثمارات العالية في نخب كرة القدم هو توجه لنقل المركزية الأوروبية (eurocentric) في صناعة كرة القدم إلى الشرق الأوسط بشكل عام وللدوري السعودي بشكل خاص (Saudicentric). تحديداً كما قال سمو ولي العهد قبل خمس سنوات: "أنا أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط". هذه المركزية الأوروبية لسنوات جعلت هناك هيمنة على كرة القدم كالوجهة الجغرافية الأفضل لصناعة كرة القدم للاعبين والمستثمرين، مثلاً نسبة كبيرة من نجوم الدوريات الأوروبية قادمون من أفريقيا (كريم بنزيما، امبابي، ساديو ماني، محمد صلاح). هذه المركزية كذلك نجحت في جلب مستثمرين للدوريات الأوروبية برؤوس أموال كبيرة من أميركا، والصين، وروسيا، ودول الخليج. لحدوث النقلة المركزية لكرة القدم، الخطوة الأولى هي ما نشهده الآن من خلال توجيه أنظار واهتمام جماهير كرة القدم والأجيال القادمة تحديداً الشعوب العربية الأفريقية والآسيوية تجاه الشرق الأوسط وثقافته وأصالته وهذا كفيل بأن يشمل تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية. وسيرى المتابع اهتماماً إعلامياً وجماهيرياً وارتفاع المشاهدات لبث الدوري وحضوراً لافتاً لمباريات الدوري (ورأينا ذلك في البطولة العربية المقامة حالياً في جدة). وكذلك جذب رؤوس أموال مستثمرة في الأندية والعلامات التجارية، وقد نرى كذلك اهتماماً للبطولات الخليجية والعربية. ولكن يبقى التساؤل عن الخطوة الثانية وهي آليات لاستدامة هذا التحرك والتأكيد على نقل مركزية كرة القدم. هل ستنضم السعودية للدوري الأوروبي UEFA مستقبلاً؟ هل ستتنازل أوروبا عن مركزيتها وتكتفي بأن تكون منتجة للاعبين وتسوقهم في الشرق الأوسط؟ أم ستكون السعودية هي من تقوم بإنتاج اللاعبين وبيعهم في السوق الأوروبي؟ أم ستختار الدوريات الأوروبية أن تقاوم أمام هذا الحراك كما حدث في رياضة الغولف. حيث قاوم الاتحاد المهيمن على اللعبة PGA تأسيس LIV GOLF المدعومة من صندوق الاستثمارات السعودي لتفكيك الهيمنة على اللعبة، والتي بعد نحو عام ونصف من إطلاقها توصل الاتحادان لاتفاقية دمج تضمن تمثيلاً لكل الطبقات الاجتماعية وتعددية منصفة لكل الأطراف. بالنظر لما حدث في عالم الغولف وما يحدث الآن في كرة القدم، يمكن أن نتوقع تحركات مماثلة في رياضات أخرى مثل رياضة سباقات السيارات. وختاماً، حاولت أن أزود القارئ بقراءة استراتيجية لأهداف الاستثمار العالي للسعودية في أسواق كرة القدم، وأختم بالتأكيد على أن كل هذه الجهود الحالية نجاحها يترتب بشكل كبير على خلق مواهب وأبطال سعوديين رياضيين قادرين على الاستفادة من هذه الثورة الرياضية والوصول والبقاء في القمة. ساديو ماني رياض محرز نيفيز