مرة أخرى تخرق السلطات السويدية كافة الأعراف الدبلوماسية وتتجاوز الحدود والقيم الدولية، عندما سمحت لإرهابي متطرف بتمزيق وحرق نسخة من المصحف الشريف، في تصرف كان بمثابة عدوان على الأخلاق والإنسانية والذوق العام، وتسبب في جرح مشاعر ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم في جميع قارات العالم ودوله، ومما زاد من مشاعر الألم وضاعف من بشاعة تلك الجريمة النكراء أنها وقعت والمسلمون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك وضيوف الرحمن يؤدون فريضة الحج، ويؤكد الدكتور هادي علي اليامي نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى إنه من الضروري وقبل الدخول في تفاصيل ما حدث إثبات أن العذر الذي تتحجج به استكهولم، وهو حرية التعبير ليس مقنعا، ولم تعد تلك الذريعة الجوفاء تنطلي على أي شخص، فالمقصود بوضوح كان هو استفزاز المسلمين والاستهزاء بمقدساتهم، تنفيذا لأجندة اليمين المتطرف الذي يركز على تأجيج الفتن وإذكاء نار الكراهية لأسباب انتخابية بحتة، في محاولة للاستفادة من حالة الشعبوية والنزعات القومية التي تتجلى في تزايد مشاعر العداء والكراهية للمهاجرين واللاجئين. وقال الدكتور اليامي: المؤسف أنه رغم المساعي الحثيثة التي تبذلها العديد من الدول والمنظّمات الدولية لوضع تشريعات قانونية ملزمة تفرض على الجميع احترام المقدسات الدينية إلا أن دولا أخرى ومؤسسات ذات أجندة خاصة ومشبوهة ترفض ذلك، بزعم أنه "يتعارض مع حقوق الإنسان في التفكير والتعبير ويؤدي لتكميم الأفواه، وقمع المخالفين وتعزيز التطرف والتعصب الديني؛ ومضايقة المعارضين والأقليات الدينية والإثنية"، وغيرها من المزاعم الواهية، وتساءل نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان هل الانتقاص من المقدسات والرموز الدينية من حقوق الإنسان؟ ألا تعتبر الإساءة لأحد الأديان اعتداء على حقوق أتباعه؟ وهل الحق في التعبير أكثر أهمية من حق الإنسان في الحياة بسلام وأمن؟ وهل يساوي أهمية الحفاظ على النفس البشرية وضمان الأمن العام والسلم المجتمعي؟، وتابع اليامي: حتى من وجهة النظر القانونية فإن الإساءة لأي شخص والتشهير به جريمة تعاقب عليها كافة القوانين والدساتير، فما بالك إذا كان هذا الإنسان نبياً له قداسة ومكانة دينية يحترمها مليار ونصف المليار شخص موزّعين في جميع دول العالم أو كانت الإهانة لكتابهم المقدس القران الكريم؟ وإذا كان بمقدور الإنسان أن يفعل كل ما يريده فلماذا إذن وضعت القوانين؟ وما هي فائدة الأنظمة والتشريعات والأجهزة القضائية؟ حرية التفكير والتعبير مكفولة في الغرب.. فلماذا ملاحقة من يرفضون المثلية الجنسية؟! وأضاف الدكتور اليامي: إذا كانت حرية التفكير والتعبير مكفولة في الدول الغربية بدون سقف محدد، وأن من حق الإنسان أن يقول ما يشاء بمنتهى الحرية؛ فلماذا تتم ملاحقة من يرفضون المثلية الجنسية؟ ولماذا تعاقب نصوص القانون الدولي من ينكرون وقوع المحرقة بحق اليهود؟ فهل هذه القضايا المرتبطة بأقليات أكثر أهمية من احترام الأديان السماوية التي يتبعها مليارات البشر في جميع أنحاء العالم؟ وقال: المثير للاستغراب أن هناك نصوصاً قانونية في مواثيق دولية تجرم ازدراء الأديان، فقد سبق لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة أن تبنى عام 2009 نصا يجرم ازدراء الأديان، كما يوفر القانون الجنائي الدولي حماية للأماكن المقدسة ويجعل الاعتداء عليها جريمة حرب، طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولين الملحقين لها لعام 1977 حيث عد ذلك نوعا من الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري بسبب المعتقد الديني. تحجج استكهولم بحرية التعبير ذريعة جوفاء لم تعد تنطلي على أحد وأكد عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة حقوق الانسان العربية بجامعة الدول العربية السابق وعضو مجلس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة في دورتيه الاولى والثانية، أن حماية الحرية الدينية موجودة في قواعد القانون الدولي، بموجب إعلان 1981، وإعلان 1992 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وكذلك في الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقال إن أبرز ما في هذا الإطار هو الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2018 بأن الطعن في شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام لا يدخل ضمن حدود الحريات الشخصية، وأنه لا بد من إيجاد توازن دقيق بين الحق في حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، والحفاظ على السلام الديني، وأتى قرار المحكمة تأييدا لحكم أصدرته المحكمة الجنائية في النمسا بحق امرأة حاولت الاستهزاء بالنبي محمد والسخرية منه. وأضاف الدكتور اليامي: ومع وجود هذه المعطيات الواضحة تأتي هذه الإساءات في توقيت دقيق يحقّق فيه العالم نجاحات لافتة في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، حيث يقترب من استئصالهما والقضاء المبرم عليهما، لكن هذه التصرفات الهوجاء غير المحسوبة تعطي دعاة الإرهاب والعنف مبررات الوجود، لأنها تستغل هذه الإساءات وتتظاهر بأنها تدافع عن الإسلام بعملياتها الانتحارية المرفوضة. أما آلية التحرك للرد على هذه التجاوزات، فيرى اليامي أنها ينبغي أن تتم على عدة مسارات بصورة متزامنة، فعلى الصعيد الرسمي ينبغي لحكومات الدول الإسلامية تنسيق التوجه للأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المؤسسات الدولية بمشروع قانون يجرم الإساءة للأديان والرموز والمقدسات، وحشد التأييد المسبق للمشروع، وتابع الدكتور اليامي: فقرار المحكمة الأوروبية يصلح أن يكون أساسا قانونيا للنظر في الأمر من جديد ومناشدة المجتمع الدولي للقيام بدوره في حماية الأمن والسلم الدوليين عبر إصدار تشريعات واضحة تمنع التطاول على جميع المقدسات الدينية، كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية المشاركة بإقامة المؤتمرات والندوات في الدول الغربية للتعريف بحقيقة الدين الإسلامي وتعاليمه، وتفنيد الشبهات والاتهامات التي توجّه للإسلام ونفي الصلة بينه وبين الإرهاب، على أن يتم ذلك الجهد بعيدا عن التهجم وتبادل الاتهامات، وختم اليامي: الآن يقف العالم أمام مفترق طرق، فإما يتم احترام قناعات الآخرين ومقدساتهم، وإما نتحول إلى غابة نقاتل فيها بعضنا بعضا، فالإنسان بطبعه تحركه معتقداته الدينية التي إذا شعر بأي مساس بها، أو رأى الآخرين يسخرون منها ويستهزئون بها فإنه يتحول إلى أداة تدمير مرعبة.