الشعر هو فهم عميق للحياة والكون، والشعراء هم الذين يفهمون الحياة ويذهبون إلى أعماقها، ثم ينقلون ذلك في صورة جميلة، هم أقدر الناس على تطوير الحياة وأدوات الحياة. الشعر بحر بلا انتهاء، هو موج فوق موج، ورغوة من ورائها رغوة، وحركة في إثر حركة، هو رياح مصطفة ومد وجزر، وضوضاء خفيفة في الغابات الإنسانية. يجتمع في الشعر الجنة والنار، والحاشية الرقيقة، والجوف الغائر، والحاضر والماضي، السكون والحركة، والفناء والخلد، والشرق والغرب، الشمس والقمر، النجوم والصحارى. والشاعر هو الذي يعبر عن إحساسه العميق، ويترجم أعمق خلجاته، فهو الصدق وهو العمق، وهو لحم ودم، وليس مجرد صورة وزخرفة، الشاعر هو وحده الذي يستطيع أن يمد يده إلى أعماق البحر، فيخرج لنا باللؤلؤ، وهو يقدر أن يجعل نجوم السماء خواتم في الأصابع. الشاعر هو الذي يبحث عن معاني الحياة بين الحروف والكلمات، ويطلع علينا بما اكتشف من المعاني السامية للحياة والكون، الشاعر هو الذي يسحق أفكارنا القديمة ثم يتولد المعاني الجديدة. الشاعر هو الذي لا ينعزل عن الحياة، ولا يعيش في الكهوف وشعب الجبال، ولا يغض طرفه عن حاجات المجتمع ومقتضيات العصر، وإنما كان يتصل بالحياة الواقعية، ويطلع على مكائد النفسية ومزالقها، ويتصدى لما انتشر في المجتمع من الأمراض النفسية والأدواء الخلقية والمشكلات الاجتماعية. ومن أهم الوظائف للشعر التعبير عن الجوانب الوجدانية من نفس الإنسان، والشاعر ينظر إلى المجتمع البشري من خلال نافذة وجوده، ويرصد ما تدور فيه من روابط وصلات، ويتوقف عند ما تسوده من عادات وتحكم عليه من أفكار وآراء، ثم ينفعل ويتأثر بما يمليه عليه المجتمع فتجيش في خلده مشاعر وعواطف تعكسها قريحته بكل شفافية ويحوكه وجدانه المتدفق. يؤمن الشاعر بقدرته على تغيير العالم من خلال الفن الذي لا ينسلخ عن الواقع، يحاول الشاعر من خلال قوة كلماته وسلاسة أبياته الشعرية التي تعكس مقدرة فريدة على تطويع المعاني والكلمات لخدمة المعنى والإحساس والتعبير عن مشاعر مكنونة تجاه الوطن والأرض والإنسان. الشعر يرشدنا إلى القلوب التي يشع منها النور، وتصدر منها كلمات لا تسمعها الآذان، ولكن تسمعها القلوب، لأن الشعر لا يخرج من لسانه، بل يخرج من قلبه العميق في صورة كلمة، والكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان. الشعر يعبر عن الحياة كما يحسها الإنسان من خلال وجدانه، فالشاعر وهو في نوبات جنونه ينقل بصره من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، فيتصور له مخيلته المبدعة ما لا يراه غيره، فيستطيع أن يترجم هذه المشاعر بقلمه حروفاً آسرة ويجسد بلسانه أصواتاً تنقل السامع إلى عوالم السحر والجمال. فالشاعر هو الذي يبحث عن معاني الحياة بين الحروف والكلمات.