لم يكد يجف حبر إعلان جدة والذي صدر أول من أمس في ختام أعمال القمة العربية ال32 والتي ترأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين، حتى أعلنت المملكة عن توقيع ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، اتفاقية لوقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية في جدة، الذي يدخل حيز التنفيذ بعد ثمانية وأربعين (48) ساعة من التوقيع، ساري المفعول لمدة سبعة (7) أيام ويمكن تمديده بموافقة الطرفين.. وحظى ملف الأزمة السودانية بحيز كبير في مناقشات قادة الدول العربية خلال اجتماعات القمة، فيما أكد سمو ولي العهد في كلمته الافتتاحية، على ضرورة أن تكون لغة الحوار هي الأساس، للحفاظ على وحدة السودان، وأمن شعبه ومقدراته، موضحاً أن المملكة بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي ستواصل بذل الجهود الإنسانية وتفعيل قنوات الإغاثة للشعب السوداني الشقيق. ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار والحفاظ على المؤسسات الوطنية في السودان. وتضمن إعلان جدة رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، لتفادي تأجيج الصراع واعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين في جدة خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة فضلاً عن التأكيد على ضرورة التهدئة في السودان وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها. واتفق الطرفان السودانيان من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه قبل أمس، على إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية. كما اتفق الطرفان على تسهيل المرور الآمن لمقدمي المساعدات الإنسانية والسلع، مما يسمح بتدفق المساعدات دون عوائق من موانئ الدخول إلى السكان المحتاجين. أكد كل من الطرفين لممثلي المملكة والولايات المتحدة الأميركية المسهلين لهذا الاتفاق، التزامهما بعدم السعي وراء أي مكاسب عسكرية خلال فترة الإخطار، البالغة ثمانية وأربعين (48) ساعة بعد توقيع الاتفاقية ومن المتوقع أن تركز المحادثات اللاحقة على خطوات أخرى، لتحسين الظروف الأمنية والإنسانية للمدنيين، مثل إخلاء القوات من المراكز الحضرية، بما في ذلك منازل المدنيين، وتسريع إزالة العوائق التي تحد من حرية حركة المدنيين، والجهات الفاعلة الإنسانية، وضمان قدرة الموظفين العموميين على استئناف واجباتهم المعتادة. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، قد توقع بأن تكون قمة جدة علامة بدء لتفعيل حلّ عربي، يوقف نزيف الدم في السودان، ويصحّح أخطاء ارتكبت في الماضي، ويتوخّى المصلحة العليا للدولة السودانية وليس المصالح الضيقة لفئات أو أشخاص. فيما رحبت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بتوقيع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على اتفاق لوقف إطلاق النار قصير الأمد، ابتداء من يوم الاثنين 22 مايو 2023، وذلك إثر المحادثات بينهما في جدة. فيما أعرب الأمين العام للمنظمة، حسين إبراهيم طه، عن أمله في أن يشكل هذا الاتفاق، الذي يهدف الى تخفيف معاناة الشعب السوداني بتسهيل المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، خطوة مهمة تمهد الطريق نحو إنهاء النزاع المسلح في السودان بصورة نهائية مما يعزز الأمن والسلام والاستقرار في السودان والمنطقة مشيدا بالمساعي الحميدة التي ما فتئت تبذلها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدةالأمريكية للتوصل لهذا الاتفاق وتشجيع طرفي النزاع على الحوار ووقف إطلاق النار وحل الأزمة السودانية في إطار الحوار السلمي. لقد استشعرت المملكة منذ اندلاع القتال بين الاطراف السودانية، اهمية احتواءه فورا كما ابدت دول الجوار السوداني، بان يمتد من مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط إلى أزمة إنسانية محتملة.. واجمعت الدول العربية على ضرورة إنهاء الأزمة السودانية، والحفاظ على مصالح الشعب وسيادة وأمن السودان. خطوة نحو حلحلة الأزمة أكد مراقبون سودانيون ل"الرياض" أن اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في حد ذاته خطوة مهمة نحو حلحلة الأزمة، وتكسير جدارها الصلب، الذي خلف مئات القتلى وأضعافهم من المصابين، وتشريد مئات آلاف السودانيين، داخليًا وخارجيًا، في ظل تحذيرات من كارثة إنسانية، حال استمر الوضع على ما هو عليه، فضلًا عن ارتدادات تلك الأزمة إقليميًا ودوليًا، في ظل تشابك العلاقات والمصالح في تلك المنطقة الاستراتيجية داخل القارة الأفريقية.. وبذلت المملكة جهودًا حثيثةً لإنجاح هذا الاتفاق، بدون التدخل في الشأن الداخلي. وتستند السعودية في مساعيها الدبلوماسية للوساطة بين طرفي الحرب في السودان على عاملين أساسيين، الأول: العلاقات الوثيقة التي تربط الرياض بمختلف أطراف الصراع داخل السودان، فهي على علاقة جيدة بحميدتي والبرهان، كذلك المكون المدني السوداني، والعلاقات التشابكية الجيدة تسمح لها بأداء هذا الدور. ومن أبرز المؤشرات على عمق تلك المكانة لدى مختلف ألوان الطيف السوداني الداخلي، تسهيل عملية إجلاء المواطنين السعوديين من السودان، كذلك إجلاء بعض الجنسيات الأخرى، حيث تمكنت من إجلاء نحو 6000 شخص حتى الآن، وهو ما لم يحدث مع أي دولة أخرى، في خطوة تعكس حجم العلاقات القوية بين الرياض ومكونات السلطة والنفوذ في الخرطوم. في ظل الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها المملكة، وتسعى من خلالها لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، سياسيًا واقتصاديًا، يدفعها بصورة قوية نحو إنجاح وساطتها الدبلوماسية لتخفيف التوتر داخل السودان، موظفة لأجل هذا الغرض إمكاناتها السياسية والاقتصادية. وبعد قتال دام، أكثر محمد شهور بين الجيش السوادني وقوات الدعم السريع، المتحاربين على السلطة في السودان، وقَّع طرفا النزاع "اتفاق جدة"، وهو إعلان يتعهّدان فيه باحترام قواعد تتيح اتفاق لوقف إطلاق النار، في مفاوضات وصفها دبلوماسيون أمريكيون بالصعبة. ومثل تصاعد حالة الخصومة داخل المكون العسكري تحديًا خطيرًا، للأوضاع السودانية، فالجيش وقوات الدعم ليسا على ذات الدرب، أيديولوجيًا وسياسيًا. ويعاني السودان من آثار انعدام الأمن الغذائي، منذ وقت يسبق أزمة الاشتباكات المسلحة الدائرة في العاصمة وأماكن شتى على طول البلاد وعرضها؛ إذ يحتاج نحو 4 ملايين امرأة وطفل دون الخامسة إلى مساعدات إنقاذ وتغذية خلال عام 2023، بحسب تقديرات أممية. وتعكس التقديرات زيادة مطردة في نسب الفقر للعام الثالث على التوالي في البلد الذي يُعدّ من أفقر دول العالم. يواجه ثلث سكان السودان أزمة جوع متصاعدة، مما يزيد من التداعيات المؤلمة للأزمة. ووصلت الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء السودان أعلى مستوياتها على الإطلاق. وثمة حاجة لتقديم أكثر من 1.7 مليار دولار لتقديم المساعد الإنسانية والحماية إلى 12.5 مليون شخص من الأكثر ضعفاً بالبلاد. كما عانى الشعب السوداني خلال الخمسة أسابيع الماضية الامرّين من هذا الصراع المدمر. السؤال الذي يؤرق السودانيين في هذه المرحلة المفصلية من تاريخهم هو: هل تستطيع القوى السياسية المختلفة والمتصارعة أن تصل إلى وفاق سلمي على إعادة تأسيس دولتهم على أسس جديدة تتجاوز أخطاء الماضي وتلبي طموحات السودانيين، أم سيظل الصراع الراهن يتصاعد على طريق العنف إلى أن يقود إلى تفتيت السودان بأسره، ويصبح الجميع هم الخاسرون؟