ما فتئت المملكة العربية السعودية منذ اندلاع المواجهات العسكرية بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، تعمل لتهيئة الأرضية اللازمة والأجواء الملائمة بين الطرفين، وخفض التوترات وإنهاء المواجهات العسكرية، لكي ينعم السودان وشعبه بالامن والاستقرار، وإبعاد هذا البلد العربي من ويلات الحروب الأهلية والاحتراب الشعبي والقبلي. وتعاملت المملكة مع ملف الأزمة السودانية من اللحظة الأولى، بهدوء وحكمة، ونجحت في وقف إطلاق النار المؤقت، وإجلاء الرعايا السعوديين والآلاف من الرعايا من الدول الشقيقة والصديقة في أكبر عملية إجلاء إنسانية عالمية شهد لها العالم بأكمله؛ وتزامن ذلك مع وساطة هادئة تمخصت عن وقف إطلاق نار مؤقت. وأردفت ذلك بدعوة سعودية-أميركية باستضافة المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وممثلي قوات الدعم السريع والتي تعقد حالياً في جدة بعيداً عن أجواء الحرب، للوصول إلى قواسم مشتركة بين الأطراف المعنية لتطوير مرحلي للوساطة، من وقف دائم لإطلاق النار إلى حوار سياسي وصولاً للعودة مرحلة السلام والوئام مع ضمانات سعودية-أميركية. وحثت المملكة الأطراف المعنية طوال الأزمة، باستشعار مسؤولياتهم تجاه الشعب السوداني والانخراط الجاد في الحوار ورسم خارطة طريق للمباحثات لوقف العمليات العسكرية والتأكيد على إنهاء الصراع وتجنيب الشعب السوداني التعرض للمزيد من المعاناة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة. وأكدت مصادر عربية ل"الرياض" أن هدف محادثات جدة هو إيجاد مقاربة بين الطرفين ووضع النقاط الخلافية على طاولة الحوار وإيجاد حلول دائمة للازمة بعيداً عن الحلول العسكرية خصوصاً أن المنطقة لا تتحمل أزمة جديدة في الوقت الذي سعت فيه المملكة تصفير مشكلات المنطقة مع اقتراب انعقاد القمة العربية في المملكة لاسيما أن موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وارتباطه بالمنطقة الأمنية في القرن الأفريقي وإبعاد السودان عن الصراعات الإقليمية الذي سيشكل حتمًا أزمة جديدة والحروب بالوكالة مع ضرورة الوضع في الاعتبار انتقال السودان إلى الحكم المدني وفق المرجعيات وانطلاق العملية السياسية" وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان. وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أن استضافة المملكة الحوار السوداني هو نتاج تكاتف دولي وتمت بجهود حثيثة مع أميركا وبالشراكة مع دول المجموعة الرباعية والشركاء من الآلية الثلاثية. وثمن خبراء سودانيون ل"الرياض" جهود المملكة من خلال استضافة المحادثات بين الأطراف السودانية. مؤكدين أن الرياض تحظى باحترام وتقدير في جميع الأوساط السودانية وعملت الرياض بهدوء رغم احتدام المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع للحيلولة دون انفجار الوضع؛ ونجحت مع الشركاء الأميركيين والعرب والاتحاد الأفريقي واللجنة الرباعية في الوصول إلى حوار أولي بين الأطراف باعتبارها خطوة ممتازة لفتح قنوات بين الاطراف المتنازعة والتقاط الأنفاس ومراجعة الحسابات وتغليب مصلحة الشعب وحماية السودان من خطر الاحتراب الداخلي وحل القضايا عبر المرجعيات المتفق عليها وإعطاء الأولوية للحوار بدلاً من حمل السلاح والاقتتال. تواصل مستمر مع الأطراف فيما قال خبراء ل"الرياض": "المملكة ترغب في إيجاد اتفاق بين الأطراف قبيل انعقاد القمة العربية في المملكة حيث تواصلت مع الأطراف المعنية لانهاء حالة التصعيد والاشتباكات العسكرية بين قوات الجيش والدعم السريع ونجحت في إقناعهم في الجلوس على طاولة المباحثات ودعت المكون العسكري وجميع القيادات السياسية في السودان، إلى تغليب لغة الحوار وضبط النفس والحكمة، وتوحيد الصف بما يسهم في استكمال ما تم إحرازه من توافق، ومن ذلك الاتفاق الإطاري الهادف إلى التوصل لإعلان سياسي يتحقق بموجبه الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي والازدهار للسودان وشعبه". وحظي تحرك المملكة لاستضافة محادثات جدة بدعم خليجي وعربي وإسلامي بما يحافظ على مقدرات ومكتسبات الشعب السوداني، وذلك في ضوء الخسائر البشرية الكبيرة وتدمير المنشآت والبنى التحتية، مطالباً بتغليب لغة الحوار والتحلي بضبط النفس والحكمة، والعودة بأسرع وقت ممكن إلى طاولة المفاوضات لمواصلة الجهود السلمية لحل الأزمة وتثبيت الهدنة الإنسانية وضمان وصول المساعدات الإنسانية والصحية للمتضررين من الأوضاع، وتغليب المصلحة الوطنية العليا للسودان بما يحافظ على وحدته ومؤسسات الدولة ويحقق طموحات الشعب السوداني في الأمن والسلام والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. وليس هناك رأيان أن السودان، شهد خلال الفترة الماضية متغيرات سياسية متعددة وبقي السودان أسيراً لثنائية الحديث التقليدي في كلّ مكونات الواقع السوداني. لذا، ظلّ التحدي الأكبر الذي يواجه السودان هو بناء دولة مدنية ديموقراطية حديثة، تُحقق الوحدة الوطنية بإدارة عقلانية للتنوع الثقافي، مع تحقيق تنمية منتجة عادلة ومتساوية. ونال السودان استقلاله مبكراً في أفريقيا واستهل ميلادها بإقامة نظام برلماني متميز، وانتخابات في سنة 1955 وعول الجميع على دوره كجسر بين الحضارات العربية والأفريقية. وبدات خيوط الازمة السودانية منذ سنوات طويلة، بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021. واضحى الصراع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وهما المكون الرئيسي العسكري في السودان وهو الاساس في اي اتفاق ولا يمكن ايجاد حل بدون الوصول الى توافق بينهما. لقد قبل الطرفان السودانيان نداء المملكة بالهدنة والقبول بالجلوس على مائدة المفاوضات وهذا يعكس وجود الرغبة في الحوار وحل الازمة في ظل وضع السودان الاقتصادي المتردي وقد تؤدي الازمة في حالة استمرارها لنزاع طويل تداعيات إنسانية وخيمة على السودان، الذي يواجه بالفعل موجات جفاف ونقص في الغذاء. ورجحت المصادر السودانية ل"الرياض" أن تضع الأطراف السودانية المشاركة في مباحثات جدة الخطوط العريضة لنقاط الاتفاق والاختلاف والبدء فى وضع حلول للنقاط الخلافية ثم الرفع للقيادات العسكرية من الطرفين لوضع اتفاق إطاري جديد للحل يوقف الحرب والصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع من شأنه أن يجعل المفاوضات حول تقاسم السلطة والإصلاح الأمني في المستقبل القريب وعدم إطالة أمد الصراع المسلح بهدف اعطاء الفرصة لاضفاء الجانب العرقي والقبلي على الازمة في حالة إطالة أمدها وهو ما سيعقد الحالة السودانية ويؤدي أيضاً لظهور أزمة انسانية التهجير القسري والنزوح الجماعي وربما مذابح على أسس عرقية وهو ما يهدد بسيناريو التقسيم في هذه الأجواء المعقدة والصعبة العوامل التي تشجع الانقسامات وظهور الجماعات المسلحة الجديدة. الوساطة السعودية-الأميركية جاءت في توقيت مهم جداً وحظيت بدعم كامل من المجتمع الدولي لضمان عدم تصاعد الصراع، وتداخل القوى العالمية لتحقيق مصالحها الخاصة والتنافس على النفوذ في المنطقة ومنع انزلاق السودان إلى سيناريو التقسيم والحرب الأهلية باعتبار أن تصاعد النزاع العسكري في السودان سيهدد الأمن الإقليمي، وينسف الجهود الأممية والأفريقية لتسوية الأزمة. والمطلوب اليوم من الءطراف السودانية حماية السودان من خطر الاحتراب الداخلي ما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق وسيادته وسلامته الإقليمية. تجنب التصعيد والمملكة التي رمت بثقلها وراء الوساطة لا تهدف إطلاقاً في التدخل بل ترغب أن تتخذ الاطراف المعنية قرارها لمصلحة الشعب خصوصا أن المملكة تتمتع بشراكة تاريخية، حيث ظل كل بلد منهما يولي اهتماما وتقديراً للآخر على مدار التاريخ، وظلت العلاقات الممتدة بين البلدين الشقيقين تقوم على أساس التعاون المشترك وتبادل المصالح واستقرار أمنهما، واستثمار الإمكانات والمقدرات الكبيرة البشرية والمادية لهما. ولم تتأخر المملكة في دعم الشعب السوداني في كل الظروف وتقديم كافة سبل الدعم للسودان سعياً للمرور بهذه المرحلة الحساسة وتحقيقاً لمصالح الشعب السوداني كون هناك مخاوف حيال توسع دائرة الصراع السوداني وامتداد أمده والتداعيات المترتبة عن ذلك على الاستقرار في المنطقة خصوصا إن لمّ شمل السودانيين في هذه المرحلة العصيبة حتما سيشكل درعاً حصينة وجبهة، موحّدة في مواجهة أي تهديدات، والوقوف سدّاً منيعاً لتهديد وحدة وسيادة السودان. ويدير السودان مجلس السيادة، منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، من خلال قائده البرهان، الذي يعتبر الرئيس الفعلي، من جهة، ونائبه حميدتي، من جهة أخرى. وبدت الخلافات تدب تدريجياً بين البرهان وحميدتي على مسار العملية السياسية والانتقال إلى الحكم المدني. ووفقاً للجدول الزمني المتوافق عليه، فقد كان من المفترض الإعلان عن تشكيل حكومة مدنية جديدة، في 11 أبريل الجاري، لكن تعثر حدوث هذا الأمر بعد أن فشل الطرفان في التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي تم الإعلان عنه، في 5 ديسمبر الماضي، وذلك بسبب الخلافات حول آليات ومواعيد دمج قوات الدعم السريع في الجيش. واندلعت اشتباكات عسكرية عنيفة خلال الاسابيع الماضية بين قوات الجيش التي يقودها الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، في تحول مفاجئ للصراع بينهما إلى نزاع مسلح دموي شديد.