إذا كان انتقاد أو شتم إنسان في ظهره واستعراض مساوئه جبناً وغيبة، فإن ذكر سوءات وهفوات ميتٍ وتضخيمها والتركيز عليها أكثر جبناً وخساسة ونذالة. الميتون في عناية الله، وهم خلقه بعد أن سلموا أرواحهم وأماناتهم، لا يجوز التثليم فيهم ونبش سيرتهم وماضيهم لاستظهار عيوبهم أو حوادث ووقائع لهم منتقاة قد تكون في عمر طائش أو متزامنة مع ظروف صحية مرت بهم وذلك للنيل من شخصياتهم وتصرفاتهم، وذلك لسببين، الأول: أنهم غائبون، ولا يملكون قدرة الرد أبداً، والثاني: أنهم في عهدة الله، فلا يحق تعييبهم واغتيابهم ونسيان ميزاتهم وعطائهم وأعمالهم الصالحة والفالحة، فهم في فترة محاسبة في قبورهم. من يتعقب أخطاء الميت ويبرزها فليتذكر أنه لن يعمر طويلاً ولا محالة أنه سيكون في قائمة الموتى، وسيقتص التاريخ مما أساء به على الموتى بنفس القدر أو أكثر. نلحظ في مجالسنا جبناء كثر، وفي حياتنا في كافة المواقع والظروف؛ أن هناك من يتطرقون للميت بعين حاقدة حتى في المتوفين، فيذكرون قصة ترجع كل المحاسن والفضائل لهؤلاء السابقون إلى النسيان، ويكبرون من خطأ أو عيب أو حادثة صغيرة بل ويلخصون خطأهم في قصة بسيطة لم تستغرق إلا ساعة أو أقل من عمر المتوفى الذي بلغ حين وفاته عشرات السنين. قد يجوز نقد أفكار شخص ميت من خلال فنه أو مؤلفاته أو نجوميته ذلك أنها أصبحت جزءاً من الحياة لكن ليس من المروءة التعرض لصفاته الشخصية وسلوكياته العامة بالشذب والشتم، فكل له خطؤه لكن حياته مليئة بالإيجابيات والمنافع. قال الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تَسبّوا الأمواتَ فتؤذوا الأحياءَ». وذلك لتجنب أذى وحزن أقاربهم عند سماع ذلك. والنهي هنا عن ذكر الأموات بسوء غرضه مراعاة مشاعر ومصلحة الأحياء، وكذلك الحفاظ على سلامة نفوس الناس من التشاحن والقطيعة، لذا أعجبتني عبارة يعتقدها الكثيرون حديثاً شريفاً: (اذكروا محاسن موتاكم) فهي تنهى عن الجبن والدناءة والتلذذ بموت إنسان من خلال تكرار وإبراز عيب طارئ أو خطأ لضعف حساباته أو نقص في المعلومات جعل صاحبه الميت يقترفه، وأخشى ما أخشاه أن ينقلب هذا القول إلى (اذكروا مساوئ موتاكم). ويبقى التعرض للموتى بسوء ظن أو تعريض من الخصال الذميمة التي لا تشي بفضيلة أو نبل أو مروءة؛ وإنما هي من الضعف البشري الذي يتولي على ضعاف النفوس الذين يتلذذون بأكل لحوم الغائبين الذين لا نملك لهم ضراً ولا نفعاً. أعاذنا الله وإياكم من هذه الرذيلة المقيتة.