الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، وقد حرَّمها الإسلام لآثارها السيئة، وأبغض شيء إلى مسامع الصالحين كل ما حرم الله سماعه من غيبةٍ ونميمةٍ ومعازف، وأسباب الغيبة كثيرة، منها: الجهل والكراهية والحسد وسوء الظن والفهم، وتزيين الشيطان له ليقع في الغيبة فيأثم بذلك، قال تعالى: «وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» [الحجرات: 12] قال الحسن رحمه الله: (الغيبة ثلاثة كلها في كتاب الله: الغيبة والإفك والبهتان، فأمَّا الغيبة، فأن تقول في أخيك ما هو فيه، وأمَّا الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه، وأمَّا البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه). وبعض من الناس يكره الغيبة ويبغض سماعها، ولكنَّه يحتار في التصرف مع المغتاب، ولهذا يقال: إن كنتما لوحدكما فانصحه برفق، بأسلوبٍ أدعى لقبوله نصحك؛ ليكف عن الغيبة، واصرف الكلام إلى كلام نافع، لئلا يسترسل في الغيبة، أمَّا في حال كانت الغيبة في جمعٍ من الناس، فغيِّر موضوع الكلام إلى موضوعٍ آخر، ثم مناصحة المغتاب فيما بينك وبينه، مناصحة المحب الذي يتمنى له الخير، ولا يجوز أن تأذن لأحد يغتاب في مجلسك، ولا أن تسمع منه الغيبة، ولا أن تسترسل معه فيها، قال ابن قدامة رحمه الله: «المستمع للغيبة شريك فيها، ولا يتخلص من إثم سماعها إلا أن ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن قدر على القيام، أو قطع الكلام بكلامٍ آخر، لزمه ذلك». وقع الفضل بن سهل على قصة ساعٍ سعى إليه فقال: نحن نرى قبول السِّعاية شراً منها؛ لأنَّ السِّعاية دلالة، والقبولَ إجازة، فاتقوا الساعي فإنَّه إن كان في سِعايته صادقاً كان في صدقه آثما، إذ لم يحفظ الحرمة ويستر العورة. والواجب أن ترد عن عرض أخيك المسلم إذا اغتابه مغتاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه الإمام أحمد والترمذي بسند حسن. ومن مساوئ الغيبة: أنَّها توغرُ الصدور، وتهدم الألفة والمحبة بين الناس، فكم فرَّقت من صحبة، وكم هدمت من بيت ففرَّقت بين زوج وزجته، وأخٍ وإخوته، وكم بسببها قُطعت رحم، ومن مساوئها حصول الفُرقة والتباغض والعداوة، فخطر الغيبة عظيم، وعواقبها سيئة في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ». رواه الإمام أحمد بسند صحيح. قَالَ عَدِيُّ بنُ حَاتمٍ رضي الله عنه: «الْغِيبَةُ رَعْيُ اللِّئَامِ» وسُئِلَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ عَنْ صِفَةِ اللَّئِيمِ، فَقَالَ: اللَّئِيمُ إذَا غَابَ عَابَ، وَإِذَا حَضَرَ اغْتَابَ». وعن القاسم مولى معاوية، قال: «سمعت ابن أمِّ عبد رضي الله عنه يقول: ما التقم أحد لقمة أشرّ من اغتياب المؤمن». وقال ابن الجوزي رحمه الله: «كم أفسدت الغيبة من أعمال الصالحين وكم أحبطت من أجور العاملين وكم جلبت من سخط رب العالمين، فالغيبة فاكهة الأرذلين وسلاح العاجزين، مضغة طالما لفظها المتقون، نغمة طالما مجَّتها أسماع الأكرمين». لا تهتكنْ من مساوي الناس ما ستروا... فيهتك الله ستراً من مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحداً منهم بما فيكا فعلى من وقع في الغيبة أن يستغفر الله ويتوب إليه، وأن يثني على من اغتابه بما هو فيه، وأن يدعو له.