(إني أُعزيك لا إني أمل... من الخلود ولكن سنة الدين..) يقول العلماء ما أمرنا الشارع الحكيم بالإكثار من ذكر شيء كما أمرنا بذكر الموت / كما في قوله - صلى الله عليه وسلَّم - (أكثروا من ذكر هادم اللذات).. وما ذاك والله أعلم إلا لأن الله يعلم أننا نهيم في أودية الدنيا، ونذر وراءنا يوماً ثقيلاً.. [يوم تشققت السماء لهوله... وتشيب منه مفارق الولدان]. كما قال تعالى بَلْ يُرِيدُ الْإِنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ. يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . فعظّم الله أجركم في مصابكم، وغفر لأمواتكم،، فالوفاة سميت وفاة لأن الإِنسان يكون قد استوفى ما كتب الله له من أيَّام، وأما التعزية في الأصل فهي التقوية، وهي هنا تقوية المصاب على تحمل المصيبة التي جثمت على صدره، كما تقول أرض عزاء، أي صلبة،، فأنت إذا عزيت المصاب لا بد أن تقويه، وذلك بتذكيره بالله، وتذكره بأن لله ما أخذ وله ما أعطى، وأن كل شيء عنده بأجل مسمى، وتقول له اصبر واحتسب، وتذكره أن هذا حال الجميع، وأننا لله وإليه راجعون، وكل من عليها فان، وهكذا،، فالتعزية ليست إجراء روتينيا بعبارات خالية جوفاء، لا بد من المشاركة الوجدانية، وإشعاره بالألم بمصابه،، ولا بأس بتعزية الكافر، ولكن لا يدعى له بالرحمة والمغفرة، لأن هذا ورد فيه نهي شديد، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يستغفر لأقاربه الذين ماتوا على الكفر، كما قال سبحانه مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تبيّن لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الْجَحِيمِ ، وقد أفتت هيئة كبار العلماء والشيخان بن باز وابن عثيمين وغيرهما، أن من ترك الصلاة من أهالينا فهذا الحكم ينطبق عليه تماما.. أي لا يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن هذا استهزاء بآيات الله وسفه، ولا يقال: المتوفي بالياء، بل المتوفى، بالألف، لأن المتوفي هو الله، كما قال سبحانه اللَّهُ يتوفى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ،، ولا يجوز تعداد محاسن الميت وأفضاله في وقت المصيبة، كما يفعل بعض الناس، لأنّها تستدر الأحزان وتنكأ الجراح وتبعث على الرحمة، وهي من النعي المحرم، أما بعد السلو وذهاب الأحزان فلا بأس بها كما في حديث (اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم)،، ولا يجوز السماح للنساء المتفجعات بالدخول على النساء في مجلس العزاء، ولا يسوغ عبارة من عرف الله هانت مصيبته، في هذا الموضع، فكأنهم يقولون بلسان الحال للمصاب لو عرفت الله لهانت مصيبتك، وهنا تجتمع عليه مصيبتان، بل النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى لموت ابنه وقال هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء... ولا شك أن الموت مصيبة كما سماه الله في كتابه، فَأصابتكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ، ولا يجوز الاجتماع للعزاء إلا في أضيق الحدود، قال ابن عثيمين: توفي والداي فما جلست لأحد ابداً».. ومن حكم النهي عن الجلوس للعزاء غير النص الشرعي (وكفي به نيا) أن المجتمعين إما أن يتحدثوا ويتجاذبوا أطراف الحديث ويتفاكهوا وهذا ليس وقته، وإما أن يتناوحوا بأحزانهم فيذكي بعضهم أحزان بعض وهذه مصيبة أخرى، هكذا قال العلماء، والله اعلم.. هذه المادة جادت بها الذاكرة بعيداً عن التطويل الممل والتقصير المخل.