يحظى الصراع العسكري الذي اندلع مؤخراً في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» باهتمام إقليمي ودولي واسع النطاق، وتثور على هذه الخلفية العديد من التساؤلات أبرزها ما يتعلق بآفاق هذا الصراع، وسيناريو نهايته، وهل تبدو قريبة أم سينضم إلى قائمة الصراعات التي اشتعلت منذ فترة طويلة وظن أهلها أنها ستنطفئ قريباً؟ ولكن هذه التوقعات خابت وتلاشت معها الآمال بتحقيق الأمن والاستقرار في الدول والمناطق المنكوبة بهذه الأزمات. الصراع العسكري الدائر في السودان له أبعاد جيوسياسية إقليمية ودولية، وله أسباب ظاهرة وأخرى كامنة، ويمتلك أبعاداً هوياتية، حيث يعتبره البعض صراعاً بين شرق البلاد وغربها، وفي جميع هذه الأحوال يبدو المؤكد أنه صراع على السلطة والنفوذ للجنرالين اللذين يمثلان رأس السلطة في الجيش وقوات «الدعم السريع»، البرهان وحميدتي. الشواهد تقول إنه لا مؤشرات تذكر على نهاية وشيكة للصراع السوداني، لأن وجود السلاح بيد الطرفين، والدعم الخارجي الذي يحظى به كل منهما، يشير إلى استمرار القتال بعد انتهاء الهدنة التي تم التوصل إليها، وكان الغرض الأساسي منها إجلاء الرعايا الأجانب والدبلوماسيين من السودان. أحد أهم أسباب توقع استمرار الصراع السوداني أنه يأتي في وقت يعاني فيه النظام العالمي ترهلاً وتفككاً عميقين بما يجعل من الصعب إحداث توافق دولي بشأن وضع نهاية حاسمة لهذا الصراع، ناهيك عن انشغال القوى الكبرى الفاعلة بما يحدث في أوكرانيا، بل وانتقال الحرب بالوكالة الدائرة هناك إلى كل أزمة في أي منطقة من العالم، والسودان بطبيعة الحال ليس استثناء من ذلك. وفي ذلك تشير التقارير الإعلامية إلى أطراف دولية عدة تعمل على الاستفادة من هذا الصراع وتوظيفه في خدمة مصالحها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. واللافت في هذا الأمر أنه الصراع الأول من نوعه الذي يشهد عروض وساطة لا تقتصر على دول أو منظمات دولية، حيث تقدمت مجموعة مسلحة غير رسمية مثل «فاغنر» الروسية بعرض للتوسط بين الجيش وقوات «الدعم السريع» بحثاً عن حل للأزمة. وقد أشار «البنتاغون» الأمريكي إلى دور المجموعة الروسية معرباً عن معارضته «لأي تأثيرات خارجية لإطالة أمد الصراع»، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: «لدينا قلق عميق بشأن مشاركة مجموعة بريغوزين (فاغنر) في أحداث السودان، حيث إنها توجد في العديد من البلدان الإفريقية ودائماً ما تجلب معها المزيد من الموت والدمار، لذا من المهم ألا نشهد تدخلاً من جانبها في السودان»، وهو موقف أمريكي لا يحظى بقبول دولي لأن الولاياتالمتحدة نفسها تتدخل بشكل مباشر في أزمات أخرى مثل أوكرانيا. إحدى نقاط الاهتمام الآنية للغرب في السودان تتمثل في الحيلولة دون حدوث نزوح جماعي للسودانيين الفارين من الصراع في بلادهم إلى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط، وهو السيناريو المرعب بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا ووجود احتمالية عالية للانتقال عبر الشواطئ الليبية بحراً إلى أوروبا. وبالتالي فإن من يسيطر على الحدود والمعابر السودانية سيكون هو المحاور المناسب للعواصم الغربية. وبالإضافة للمصالح الإستراتيجية المرتبطة بصراعات الهيمنة والنفوذ مع المنافسين، فإن للولايات المتحدة حوالي 16 ألفاً من رعاياها يقيمون في السودان، ويحملون جنسية مزدوجة، بحسب جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي. ثمة عامل حيوي يسهم في بناء توقعات بشأن الأمد الزمني للصراع السوداني يكمن في فاعلية جهود الوساطة الدائرة، سواء كانت عربية أو إقليمية أو دولية، فالأرجح أن هذه الجهود لن تصل إلى نتائج مرضية في المدى المنظور، لأن المسألة لا تتعلق بصراع وقتي على السلطة، بل ترتبط بالأزمة السودانية في إطارها الأشمل، وهي أزمة شأنها شأن بقية الأزمات العربية المستفحلة، التي استعصى حلها على الجميع، كالأزمتين الليبية واللبنانية، حيث القاسم المشترك في المشهد العربي المأزوم، هو الصراعات الصفرية الحادة بين الفرقاء والخصوم والمتنافسين على السلطة في هذه البلاد، حتى إن الحل الحقيقي بات مرهوناً بغياب هؤلاء المتصارعين عن صدارة المشهد السياسي، وهذا أمر لا يد لأحد فيه، وبالتالي فالأزمات العربية باقية وملتهبة حتى إشعار آخر. معضلة السودان تحديداً لا تكمن في الصراع بين الفرقاء العسكريين، بل تشمل أيضاً غياب التوافق بين الأطراف والقوى السياسية، وهو ما تسبب منذ البداية في انتقال الأزمة إلى مرحلة أكثر خطورة وتدهوراً، ناهيك عن صراعات أخرى ليست هامشية مثل الصراعات القبلية والجهوية وغيرها من أوجه التناحر التي تجعل من الصعب توقع نهاية وشيكة لما يحدث في السودان.