أجرت الصين تدريبات ومناورات عسكرية بحرية وجوية لأيام ثلاثة تحاكي بها تطويق تايوان. لتكون تلك التدريبات رسالة مباشرة و"تحذيرًا جادًا" للسياسيين المؤيدين للاستقلال في تايبيه وحلفائهم من الشرق والغرب. وسائل الإعلام الصينية الرسمية أبرزت تصريح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي دعا فيه قوات بلاده المسلحة خلال جولته التفقدية إلى تعزيز التدريب العسكري الموجه نحو القتال الفعلي، كما حث قادة البحرية على ضرورة أن يدافع الجيش بحزم عن سيادة أراضي الصين ومصالحها البحرية والسعي لحماية الاستقرار المحيطي الشامل. تدريبات بكين جاءت وسط توترات تشهدها المنطقة على جبهتين، الأولى في مضيق تايوان ورفض الصين لاستقلال الجزيرة الصغيرة التي تعد وفق الحكومة الصينية جزءا من البر الصيني والتحركات العسكرية بين آن وآخر من الجيش الصين تجاه تايبيه. أما الجبهة الثانية فهي بحر الصين الجنوبي الذي يشهد تصاعد التوترات بين الفلبينوالصين بشكل خاص، وبالتزامن مع التقارب الأخير بين مانيلا وواشنطن. التدريبات الجوية والبحرية الصينية واسعة النطاق التي استمرت ثلاثة أيام جاءت ردًا مباشرا على اجتماع الرئيسة التايوانية، تساي إنغ وين، مع رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفين مكارثي، خلال زيارة قصيرة للولايات المتحدة المتحدة. معلنة الصين رفضها لهذه الزيارة، وحذرت من عواقب وخيمة إذا استمر الاجتماع. وردًا على ذلك أصدرت وزارة الخارجية التايوانية بيانًا ينتقد الصين "لردها المفرط ورد الفعل المبالغ فيه" على رحلة تساي الخارجية، وقالت الوزارة إن الصين تستخدم أي ذريعة لإجراء تدريبات عسكرية وتقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مضيفة إدانتها لتصرفات الصين بأقوى العبارات الممكنة. ولم تكتفِ الصين بالتدريبات والمناورات، بل فرضت ردًا على الزيارة كذلك حظرًا للطيران على تايوان، حيث أخطرت بكين تايبيه بأنها ستفرض منطقة حظر طيران في الفترة من 16 إلى 18 أبريل الجاري، لكن وزارة النقل التايوانية قالت إنه تم تقليص ذلك لاحقًا إلى فترة 27 دقيقة فقط صباح الأحد بعد احتجاجها. وعلّق قائد الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ، الجنرال تشارلز فلين، على الأنشطة العسكرية الصينية دون الخوض في مزيد من التفاصيل أن ما يحدث مؤخرًا تمثل بعض السلوكيات غير المسؤولة والتي يجب التخلص منها. اليابان هي الأخرى بدأت تتأهب عسكريا بالتزامن مع اختتام بكين للمناورات العسكرية الواسعة، وحثت طوكيو على ضرورة إرساء السلم والاستقرار في مضيق تايوان معربين عن قلقهم من التدريبات الأخيرة والموقف الشائك في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. ردا على ذلك صعدت الصين من خطابها ضد طوكيو مطالبة بوقف "كل الأقوال والأفعال" التي تنتهك سيادة أراضي الصين وتقوض حقوقها ومصالحها البحرية والامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي والمعنى به تايوان". فيما دخلت أوروبا خط الأزمة فقد أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن تايوان استياء عدد من الدول الغربية لموقف الصين تجاه تايوان. مؤكدا في مقابلة صحفية أن أوروبا لا يجب أن تكون تابعا لسياسة واشنطن أو رد الفعل الصيني المبالغ فيه بشأن جزيرة تايوان، كما غض ماكرون الطرف عن مناقشة ملف لتايوان عقب لقائه مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في بكين. تصريحات ماكرون نالت نصيبها من الانتقادات الغربية الواسعة بل أن صحيفة لوموند الفرنسية أن تصريحات ماكرون تسببت في انقسام بين الأوروبيين. في الجانب الآخر من البحر الصيني كشفت الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالفلبين خلال اجتماع بين وزيري خارجية البلدين ووزيري الدفاع عن خططهما للقيام بأنشطة بحرية ودوريات مشتركة مع شركاء "ذوي عقلية مقاربة"، مثل اليابان وأستراليا الذين ذكروا في تصريحات مسبقة، في بحر الصين الجنوبي بوقت لاحق خلال العام الجاري. كما بدأت مانيلا وواشنطن "مناورات باليكاتان- كتف بكتف" وهي أكبر تدريبات عسكرية بينهما ويشارك بها ما يقرب من 18 ألف جندي، وستشمل لأول مرة التدريب على إغراق السفن البحرية باستخدام الصواريخ في بحر الصين الجنوبي، الذي يشهد نزاعًا بين الصينوالفلبين. ويأتي ذلك في أعقاب اتفاق أعلن الأسبوع الماضي للقوات الأمريكية لاستخدام عدد متزايد من القواعد في الفلبين، بما في ذلك واحدة بالقرب من تايوان. كما أصدرت الولاياتالمتحدةوالفلبين بيانًا مشتركًا عبرا فيه عن اعتراضهما الشديد على الادعاءات البحرية غير القانونية وعسكرة المعالم المستصلحة والأنشطة التهديدية والاستفزازية في بحر الصين الجنوبي بما في ذلك المحاولات الأخيرة لجمهورية الصين الشعبية لتعطيل الفلبين. وأثار البيان إلى جانب السماح للولايات المتحدة بالوصول لمزيد من القواعد العسكرية في الفلبين غضب واستياء بكين، حيث وصفت البيان بكونه يحرف ويشوه الأنشطة القانونية للصين كما يوجه لبكين اتهامات كاذبة. ووصفت بكين التقارب الأخير بين واشنطن ومانيلا بأنه يؤدي بالتوترات في المنطقة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ بين، أن القوات التي تأتي من خارج المنطقة لن تجلب مزيدًا من الأمن، ولكنها ستؤدي إلى توترات وتعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر وستؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية. وحذرت السفارة الصينية في مانيلا الفلبين من السماح للقوات الأمريكية بالوصول إلى المزيد من قواعدها العسكرية - لا سيما القريبة من تايوان، قائلة إن ذلك "سيضر بشدة بالمصالح الوطنية الفلبينية ويعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر". وفي خضّم تطورات الأوضاع العسكرية والسياسية المقلقة، تسعى إندونيسيا، التي ترأس رابطة آسيان هذا العام، إلى انتهاج نهج المفاوضات وتقديم وساطة بين دول النزاع في بحر الصين الجنوبي لإقرار مدونة قواعد السلوك ليصبح إطار عمل يمكنه حل مشكلات النزاع في بحر الصين الجنوبي. وبحسب مراقبون تحاول إندونيسيا خلال رئاستها لآسيان العام الحالي لاستخدام نفوذها وتأثيرها كأكبر اقتصاد في المنطقة، لاستكمال المفاوضات والوصول إلى نتائج ناجحة لجميع الأطراف يمكنها أن تمنع نشوب أي صراع عسكري بين دول النزاع. ومن المؤكد أن تطور الأحداث في جبهتيّ تايوان وبحر الصين الجنوبي لن يكون في مصلحة أي طرف دولي أو إقليمي، حيث إن المؤشرات توضح أن تكلفة الحرب عبر مضيق تايوان ستكون باهظة الثمن عالميا خصوصا وأن العالم لازال يمر بمرحلة التعافي بعد الجائحة كما أن الاقتصاد العالمي لازال يعاني من التضخم غير المسبوق. كما أن تعقد الأوضاع بشأن تايوان وحدوث تحرك عسكري من الصين تجاهها يمكن أن يدخل الولاياتالمتحدة وحلفائها كاليابان وأستراليا في قبل الصراع، فهناك دراسات تؤكد أيضا إلى أن التكلفة الاقتصادية لبكين ستكون كبيرة. ويمكن لهذه العواقب الاقتصادية أن تمثل عاملاً مهمًا يؤثر على عملية صنع القرار في الصين عندما يتعلق الأمر بتايوان. كذلك فإن أي صراع قد يندلع في منطقة بحر الصين الجنوبي من شأنه أن يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي حيث يمر بالممر البحري العديد من السفن التجارية ويشكل منفذًا لإمدادات الطاقة لعدة دول صناعية، فما يقرب من 30% من النفط العالمي يعبر ببحر الصين الجنوبي. * كاتب وباحث في الشؤون الآسيوية