كان تحرك السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينج الذي توافق مع ذكرى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية باقتراح خطة سلام لإنهاء الحرب مفاجئا للغرب. ويدعو الاقتراح المكون من 12 نقطة إلى "وقف الأعمال العدائية؛ واحترام سيادة جميع الدول؛ وحسم الأزمة الانسانية" وغيرها من الأمور. ويقول الباحث كيفين براون الحاصل على درجة الماجستير في التاريخ الدولي من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن إدارة بايدن سارعت برفض أي تسوية سلمية برعاية صينية بإعلان أنها "غير منطقية". وقال ينس ستولتنبرج أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو) بسخرية إن الصين" تتمتع بقدر ضئيل من المصداقية لأنها لم تستطع إدانة الغزو غير المشروع لأوكرانيا" . ومع ذلك، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن اهتمامه بنقاط بكين، وقال "اخطط للقاء الرئيس الصيني شي جين بينج واعتقد أن هذا سيكون مهما لدولتينا وللأمن العالمي". ويضيف براون أن شي بذلك نجح في التفوق على وضع الانتصار الكامل للبيت الأبيض باقتراح الصين الخاص بأوكرانيا رغم دعم بكين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتحاول الصين استغلال الاستياء إزاء سياسة أمريكا بالنسبة لأوكرانيا لتصوير واشنطن بأنها تقوم بتهور بتصعيد التوترات بين الدول الكبرى. كما أن خطة الصين تحظى بالقبول من دول العالم الثالث الأوسع نطاقا والاتحاد الأوروبي، في ظل المشكلات العالمية المختلفة التي تسببت فيها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. ويساعد رفض اتجاه واشنطن الأممي الليبرالي علاقات الصين الأيدولوجية مع نظم الحكم في أنحاء عالم الدول النامية، مثل دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي تتخذ موقفا مترددا تجاه هجمات بوتين ضد أوكرانيا. كما أن الخطة الصينية تحظى بقبول الحكومات الشعبوية مثل المكسيك، والبرازيل، وجنوب أفريقيا بسبب علاقات الصين مع قيادات تلك الدول إبان الحرب الباردة. فقد أصبحت الصين بعد وفاة ماوتسي تونج أكثر واقعية في علاقاتها مع عالمها الثالث بإعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية. وقد أسفرت التأثيرات العالمية الشديدة للحرب الأوكرانية إلى أن تكون هناك حوافز اقتصادية لدول مثل جنوب أفريقيا لدعم مقترحات السلام الصينية. فقد أدى تأثير الحرب على تجارة السلع الدولية إلى ارتفاع بالغ في أسعار الغذاء والطاقة، مما يمثل خطرا بالنسبة لاقتصاد جنوب أفريقيا الذي يعاني بالفعل. كما أن الاقتراح الصيني يبدد مخاوف العالم النامي الاقتصادية حيث أنه يعد بإنهاء العقوبات، واستعادة صادرات الحبوب وتأمين سلاسل الإمداد. وحتى الاقتصاديات الناشئة التي تتسم علاقاتها مع بكين بالتوتر، مثل الهند وفيتنام، سترحب باستئناف العلاقات التجارية غير المحدودة مع روسيا. وبالمثل فإن دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية مثل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا يمكن أن ترحب بأي تسوية لحرب أوكرانيا تتفاوض الصين بشأنها؛ فهي مثل الدول النامية، تسبب اضطراب سلاسل إمداد السلع في إلحاق ضرر بالمستهلكين الأوروبيين الذين يعتمدون على النفط الروسي والقطاع الزراعي الأوكراني. ولدى زيلينسكي شكوك إزاء وعود واشنطن طويلة المدى لأوكرانيا. فبايدن يتجه نحو حملة لإعادة انتخابه في 2024 في ظل شعبية متدنية ومواجهة معارضة من الحزب الجمهوري الذي تساوره الشكوك إزاء الدعم المستمر لأوكرانيا. ويريد نواب مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون المزيد من مراقبة الأموال الأمريكية التي توجه إلى كييف. وإذا ما اختار الناخبون رئيسا جمهوريا عام 2024، يمكن أن تتوقف برامج المساعدات العسكرية لأوكرانيا لصالح موقف محايد لتخفيف التوترات مع موسكو. ويرى براون أنه يمكن أن تقوم الصين بدور الوسيط في الأزمة الأوكرانية حيث أنها عارضت الغزو الروسي في البداية. ويمكن للرئيس شي التوسط للتوصل لاتفاق سلام نظرا لأن بكين تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسياوأوكرانيا، مما سوف يساعد بكين كثيرا لوضع نهاية للضرر الذي لحق بسمعتها نتيجة جائحة كورونا. وسوف يصبح ذلك مثالا آخر على سياسة الغموض الاستراتيجي التي تتبعها بكين منذ زمن طويل، حيث تتكيف مع الظروف العالمية حسبما تراه قيادة الحزب الشيوعي الصيني ملائما. ويمثل اقتراح السلام الصيني الخاص بأوكرانيا محاولة من جانب بكين لإبراز عدم موثوقية واشنطن، على أساس أن سياسة الولاياتالمتحدة تختلف من إدارة لأخرى حسب الحزب التابعة له. وفي الوقت نفسه، تستطيع بكين أن تشبع الرغبة العامة في عالم متعدد الأقطاب بين الدول الناشئة والراسخة. ويقول براون في ختام تقريره إن بكين تريد في نهاية المطاف أن تظهر أنها يمكن أن تتصرف بمسؤولية باقتراحها حلولا للتحديات الدولية. وتأمل بكين في أن تصور الولاياتالمتحدة بأنها دولة متهورة بينما تعطي انطباعا بأنها تحاول بناء إئتلاف دول لانهاء الحرب في أوكرانيا من خلال الدبلوماسية. وعلى النقيض من ذلك، يمنح دعم إدارة بايدن غير المشروط لانتصار أوكرانيا فرصة للرئيس الصيني لوصم الولاياتالمتحدة بأنها دولة معتدية ويعزلها على المسرح العالمي.