يعُد الإمام محمد بن سعود بن مقرن المؤسس للدولة السعودية الأولى وذلك عام 1139ه- 22 /2 /1727م حيث وضع لبنة الوحدة العظيمة، واستطاع أن يرتقي بأمارة الدرعية من كيان سياسي محدود إلى دولة مترامية الأطراف، وسار هو وابناؤه الأئمة من بعده في سبيل تكوين وحدة سياسية سعودية كبرى تحقّق فيها الأمن والاستقرار، وساد البلاد أمنٌ لم تشهد له مثيلًا منذ قرون، وبلغت الدولة في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز أوج اتساعها، فخضعت له جميعُ أنحاء الجزيرة العربية؛ ممَّا دعا ذلك إلى استياء الدولة العثمانية التي كانت تمُرُّ بحالة ضعف ووَهَن فكلَّفت واليَها في مصر محمد علي باشا لمحاربتها وإسقاطها، فأنشأ محمد علي في نهاية عام (1224ه/1809م) أسطولًا بحريًّا ضخمًا ليستطيع من خلاله نقل الجند والمُؤَن الحربية، ولمَّا سَمِع الشريف غالبُ بن مساعد بتلك التجهيزات لغزو الحجاز راسلَهُ سِرًّا، ويؤكد له أن الظروف أجبرته على اعتناق مبادئ الدعوة السلفية، وأنه مستعد أن يتخلص من نيرانها بمجرد ظهور جيش عثماني كبير، كما أمدَّه بتلك المُراسلات عن حالة السعوديين الحقيقية وقوتهم، وبذلك كان الجو في الحجاز مهيأً لنجاح الحملة العثمانية، وفي منتصف عام (1226ه/1811م) جُهِّز الأسطول البحري، فأَرسلَ الحملات من مصر بقيادة ابنه طوسون باشا لمحاربة السعوديين، فاجتمعت العساكر البَرِّيَّة والبحرية في ينبع، وقُدِّر عددهم نحو أربعة عشر ألف مقاتل، ومعهم ضباط أوروبيون وعدد من الجنود المرتزقة، بينما كان للإمام سعود بن عبد العزيز عيون في مصر ترصد تحركات محمد علي واستعداداته لحربه في الحجاز، فقد قام باستدعاء مجموعة من قادته الدهاة المشهورين بحسن التخطيط وقيادة الجيوش منهم مسعود بن مضيان الظاهري – زعيم قبائل حرب- وعثمان المضايفي، وحباب بن قحيصان، وأعد العدة للحرب وأصدر أوامره المُستعجلة إلى جميع سكان الحاضرة والبادية من أهل نَجْد والحجاز والجنوب وغيرهم لمحاربتهم، وفي مُدَّة وجيزة جدًّا تجمَّعت قوةٌ قوامُها ثمانية عشر ألف مقاتل وثمان مئة فارس، وكان هذا أول جيش سعودي يبلغ هذا العدد، فسيَّرهم مع ابنه عبد الله، ونزَلوا في الخيف بوادي الصفراء – يسمى أيضًا الجديدة- بين ينبُع والمدينةالمنورة، واستعدُّوا لاستقبال العساكر العثمانية، وذلك في شهر ذي القعدة من عام (1226ه/1811م). وكانت خطة الأمير عبد الله بن سعود تقضي بأن يشد انتباه الجيش العثماني إلى داخل الوادي واستدراج الجيش إلى ممر وادي الصفراء، وهنالك سوف تكون المعركة الحاسمة بين الجيشين حيث حدد موقعها الأمير عبد الله بن سعود وقواده مسعود بن مضيان وعثمان المضايفي، وحباب بن قحيصان، ثم قام الأمير عبد الله بن سعود بحفر خندق وبناء متاريس في المنطقة الضيقة من ممر الوادي، ووضع القوات النجدية خلفه، ثم أمر عثمان المضايفي بأن تكون قواته في قمم الجبال ومعه قوات بيشة وقحطان، واتخذ الأمير عبد الله موقعه في الخيف وهو أضيق جزء من وادي الصفراء في منتصف الطريق بين المدينة وبدر، وبدأ ينتظر قدومهم، بدأ السعوديون باستدراج القوات العثمانية إلى مكان المعركة في وادي الصفراء حيث أرسلت بعض فرق الجيش لمناوشة العثمانيين في بدر الذين اعتقدوا أن انتصارهم في بدر قد فتح الطريق لهم إلى المدينةالمنورة، فتتبعوا فلول السعوديين المنهزمين ليصلوا إلى الوادي، فهاجمهم الجند حتى صاروا إلى طريق ضيق يشرف عليه السعوديون من أعلى الجبال، فلما وصل الجنود انهالت عليهم قذائف السعوديين، فانقلبت الصفوف الأولى منهزمة ووقع الذعر فيما وراءها فاختل نظام الجيش. وكانت تقتضي خطة الجيش السعودي كذلك إلى تقسيم الجيش إلى قسمين: قسم من أهل تهامة ونجد مع المضايفي في قمم الجبال، وقسم من أهل الوشم وقبيلة حرب مع مسعود بن مضيان تنتظر إشارة الاشتراك في المعركة من الأمير عبد الله بالوقت المناسب، فلما اشتركت القوة الأخرى كانت الهزيمة لهم وتشتت الجند تاركين أثقالهم ومدافعهم وتراجعوا، وكانت هذه الواقعة هزيمة كبرى للعثمانيين قتل فيها خمسة آلاف من الجيش العثماني، كما كان في الوادي قوات أخرى للمناوشات، وقتل منهم اثنان وثلاثون رجلًا، فدخل الفرسان والمشاة السعوديين إلى داخل الوادي، واغتر طوسون بهذا النصر المؤقت، فطاردهم فوقع في كمين القوات السعودية، والتقى الفريقان فحصل قتال شديد، ودامت المعركة ثلاثة أيام من القتال الشديد، واحتدمتْ بشكل يُرجِّح غلَبة الجيش العثماني في يومها الأول، ثم استعانَ الأميرُ عبد الله بالقائد مسعود بن مضيان وجيشه – بالرغم من قلة عدده-، ليشارك في المعركة ويُغيّر موازينَها، ويحسمها لصالح السعوديين، فإذا بالقوات العثمانية تُولِّي الأدْبار، وتترك خلفَها الكثير من الغنائم، ولم يَسلم منهم سوى أولئك الذين شاء الله لهم السلامة، كما حاول طوسون باشا طلب المدد من مصر خلال المعركة كي يسد الفراغ الذي وقع في صفوف جيشه، فرفض محمد علي ذلك بسبب الخسائر التي كبدت الجيش العثماني. ومن أسباب النصر في المعركة بعد مشيئة وتوفيق من الله أولًا: حسن تصرف الأمير عبد الله بن سعود، فقد بنى استراتيجيته في هذه المعركة على خطة حربية أخرى وهي استدراج الجيش العثماني ليدخل إلى ممر الوادي ثم الالتحام معه، فالتحم الجيشان في منطقة ضيقة فحمتهم من المدفعية وصواريخ الهاون والبنادق الآلية المتطورة التي يملكها الجيش العثماني. ثانيًا: مساندة القبائل السعودية وقبائل المنطقة، وذلك لأنهم أهل المنطقة وأدرى بأوديتها وشعابها وأماكن الضعف والقوة بها، وكان ذلك سببًا آخر لاختيار موقع المعركة في وادي الصفراء تحديدًا في الخيف ومنعطفات الوادي بين الجبال، فقد درس المدافعون من القوات السعودية طبوغرافية المنطقة حيث كان اختيارهم صائبًا. وقد أثرت هذه المعركة في نفسيات المعتدين على البلاد السعودية وادركوا انهم امام خصم قوي لا يستهان به وقوة سياسية وعسكرية بسطت نفوذها على الجزيرة العربية لتشكل أول كيان سياسي فيها. * باحثة في التاريخ موقع المعركة وهو الممر المؤدي إلى المدينة المنورة