إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريطانيا أرسلت مبعوثاً إلى الدرعية لإيجاد نوع من العلاقات الودية وحُسن المعاملة بين الدولتَين
نشر في الرياض يوم 21 - 02 - 2023

انطلقت اللبنة الأولى نحو الوحدة والأمن في عام 1139ه/ 1727م عندما تولّى الأمير محمد بن سعود إمارة الدرعية بعد، وقاد البلاد إلى مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، وأسّس الدولة السعودية الأولى. حيث أصبحت الدرعية في عهده ذات مركز قويّ واستقرار داخلي وحُكْم راسخ جعلها مميَّزة في المنطقة.
لم تكن الدرعية التي كانت نقطة بداية إنشاء الدولة السعودية تحت حكم العثمانيين كما يظنّ البعض، بل كانت منطقة نجد تحت الحروب القبلية، وكانت الدولة العثمانية تحكم منطقة الحجاز فقط.
بلدة الدرعية أسّسها مانع المريدي الدرعي، وسمّاها الدرعية نسبةً إلى أسرة الدروع (من قبيلة بنى حنيفة)، وقد قدِم مانع المريدي بعد أن دعاه ابن عمّه ابن درع من حجر اليمامة لأخْذ منطقة بالقرب من وادي حنيفة.
ولمّا توفّي مانع خلَفه ابنه ربيعة بن مانع فترأّس أهل البلد، وتكاثر سُكّان الدرعية، فأراد ربيعة توسعة رقعتها بالاستحواذ على جانب من أراضي آل يزيد، وكانت لهم قريتا النُعْمية والوصيل المجاورتان للدرعية، فدفعوه عنهم، فقاتلهم، وقوي ابن لربيعة، اسمه موسى، فأصبح على الإمارة في أيام أبيه، واستقرّ في الحُكم، وقضى على شوكة جيرانه آل يزيد، ودمّر منازلهم وأجلاهم عن قريتيْهم وألحقهما بأراضي الدرعية، وحكم بعده ابنه إبراهيم بن موسى، ثم ولده مرخان بن إبراهيم، وبعد وفاة مرخان، تأمّر ابناه ربيعة ومقرن مشتركين معًا، وتداول الإمارة بعدهما ابناهما وطبان بن ربيعة بن مرخان، ومرخان بن مقرن بن مرخان. ثم ناصر بن محمد بن وطبان، فمحمد بن مقرن، فإبراهيم بن وطبان، فإدريس بن وطبان، إلى أن كانت أيام موسى بن ربيعة بن وطبان سنة 1131ه، فخلعه أهل الدرعية سنة 1132ه/ 1720 م فتولّاها سعود الأول بن محمد بن مقرن، وتوفّي سنة 1137ه / 1725م وبعد وفاته، خلفه أكبر رجال الأسرة سِنًّا، زيد بن مرخان بن وطبان، وقُتل سنة 1139ه/ 1726م، وتولّى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن إمارة الدرعية الذي أصبح في ما بعدُ أوّلَ أئمة الدولة السعودية الأولى.
قضت الدولة السعودية الأولى قرابة أربعين عامًا، تعمل من أجل نشر الأمن، وتوحيد نجد، وخاضت في هذا السبيل حروبًا طويلة مع القُوى السياسية المحلية المجاورة للدرعية في نجد. تلك القُوى التي رفضت مبادئ الوحده، وقاومت الدخول في طاعة أمير الدرعية، بينما أعلن معظم البلدان في إقليم العارض الطاعة، لمّا علموا أنّ الأمن والوحدة هو السبيل إلى إرغام من صدّ عن ذلك المبتغى. ومنها العيينة ومنفوحة، وضرما، وحريملاء، والعمارية، والقويعية، والحوطة، والجنوبية، والمحمل، وثادق، والقصب، والفرعة.
ولكن هذه البلدان كانت دائمة التردّد في ولائها للدرعية، وبعضها كان في حالة مناهضة دائمة للنفوذ السعودي، فما تكاد الجيوش السعودية تغادر تلك البلدة، حتى تفاجأ بارتدادها.
وكانت الغزوات السعودية مستمرة ضد جهات متعددة في آن واحد. فهي اليوم ضد الرياض، وبعده ضد الخرج، وفي وقت ثالث ضد القصيم أو الأحساء. ونرى حملات سعودية تشنّ على في أقصى الشمال الشرقي. وفي السنة نفسها تعدّ حملات للتوجّه نحو الحجاز في الغرب.
ولذلك، من الصعب ترتيب هذه الغزوات في مراحل، ولكن يمكن القول: إنّ الدولة السعودية بدأت بضمّ مناطق إقليم نجد، وسطه وشماليْه وجنوبيْه، ثم الأحساء، ثم الحجاز والجنوب، إلى حدود اليمن.
ولم تكن القُوى المعادية للدرعية مؤتلفة؛ إنما كان يفرّقها تقاسُم المصالح، وبروزُ النزاعات بينها، حينًا بعد آخر. فقد ضمّ الرياضَ دهامُ بن دواس بن عبدالله الشعلان، وهو أكبر خَصْم للدرعية، وللنفوذ السعودي.
لمّا استولى على إمارة الرياض، بحجة النيابة عن ابن أخته الصغير، ابن الأمير السابق، زيد بن موسى أبي زرعة، وأجلاه عن البلدة، ثار عليه أهلُ الرياض، فطلب النجدة من الأمير محمد بن سعود الذي أنجده بجند بقيادة أخيه مشاري بن سعود، فتمكّن من تثبيت حُكْمه، ومكث مشاري بن سعود بجانبه عدة أشهر، ولم يتركه حتى استتبّ الأمرُ لدهام في الرياض، إلّا أنّ دهام بن دواس لم يعتنق مبادئ الوحدة، بل استنكرها. وخاضت الدرعية وقائع عسكرية مع الرياض، على مدى سبعة وعشرين عامًا.
وكان دهام يلجأ في الحرب إلى سلاح الدسائس والفتن حينًا، والمصالحة أحيانًا، فقد عاهد إمارة الدرعية أربع مرات، ولكنّه نكَث عهده فيها جميعًا.
لقد كانت بداية الصراع العسكري بين الدرعية والرياض بعد انضمام منفوحة إلى الوحدة عام 1159ه/1746م؛ إذ قام دهام بن دواس بالهجوم عليها، وضمّها إلى الرياض، وربما كان دافعه أنه كان هو وإخوته في منفوحة، وأُجلوا عنها، وأنّه شعَر بقوة مركزه في الرياض، مما يُتيح له استردادَها وضمَّها إلى حُكْمه، لكنه فشِل بسبب المقاومة العنيدة من أمير منفوحة، وهم أبناء عمة، وأصيب دهام بجرحَين أثناء الاشتباكات بينه وبين أهاليها.
وعلى أثر هذه الحادثة جهّز الإمام محمد بن سعود حملة صغيرة على دهام، استطاعت الوصول داخل الرياض، ومهاجمة قصره فيها، وعادت إلى الدرعية.
هاجم دهام العمارية، وقتل أميرها، عبد الله بن علي، وعقَر إبله، فلما بلغ ذلك الإمامَ محمد بن سعود، جمَع أهل الدرعية وعرقة، وأراد أن يرصُد عودة جيش دهام من العمارية، ويكمُن له، وكان دهام بن دواس قد كمَن في الموضع نفسه، فالتقى الفريقان، واقتتلوا قتالًا شديدًا انهزم فيه دهام وأهل الدرعية في إثْره، ولكنّهم فوجئوا بخروج فرقة لابن دواس من جهة العمارية، فوقع القتل، وانكسر جيش آل سعود.
وأخذت الدرعية بثأرها حينما قام الإمام محمد بن سعود بحملة على دهام، وجرت موقعة في (الوشام) انهزمت فيها قوات الرياض. وسُمّيت وقعة "الشياب"؛ لأنه قُتل فيها شايبان من آل شمس، من أهل الرياض.
أراد الإمام محمد بن سعود أن يلاحق دهامًا، ويُلحِق به هزيمة منكرة، فقام بحملة أخرى على الرياض هُزم فيها دهام مرة أخرى، وسُمّيت هذه الوقعة "وقعة العبيد"؛ لأنّ معظم من قُتل من رجال دهام كانوا من العبيد.
جهّز دهام جيشًا، وهاجم الدرعية، ولمّا اندفعت نحوه قواتُها تظاهر بالتقهقر، فظنّ جيش الدرعية أنّ جيش دهام قد انهزم، إلّا أنّ جيش الرياض كان قد نصَب كمينًا لجيش الدرعية، فكانت الهزيمة لجيش الدرعية، وقُتل فيها الأميران فيصل وسعود، ابنا الإمام محمد بن سعود. كل هذه الحروب كانت في عام 1159ه/1746م. ردًّا على هذه الأحداث كانت "وقعة الشراك" عام 1160ه/1747م؛ إذ جهّزت الدرعية جيشًا قويًا للهجوم على الرياض،إلّا أنّ أحد بعض الأهالي أفشوا للرياض سرّ المعلومات التي هيّأتها الدرعية لمهاجمة الرياض، فكانت النتيجة متكافئة بين الجيشَين.
أما بالنسبة إلى شرق الجزيرة العربية ومنطقة الأحساء فقد كان أهمّ عوامل الصراع بين الدولة السعودية والأحساء، يكمُن في ما يلي:
أ. الخلاف والنفوذ بين كمتطلبات الوحدة لدى الإمام محمد بن سعود وبين السيطرة لحكام الأحساء بسبب الدعم المادي الذى يلقاه أمير الاحساء من العثمانيين.
ب. هروب بعض القبائل النجدية المقاومة للنفوذ السعودي نحو الأحساء، وسعْي إمارة الدرعية إلى تأديبهم ومطاردتهم في ملجئهم، وكذلك العون والمساعدة اللذَين كان يقدّمهما حُكّام الأحساء بين الفترة والأخرى إلى القوى المناهضة للنفوذ السعودي؛ كما حدث في مساعدتهم أمراء الوشم وبريدة والخرج والرياض وسدير.
ج. العامل الاقتصادي كان محرّكًا أساسيًا للحملات السعودية على الأحساء؛ نظرًا إلى توسّع رُقعة الدولة، وزيادة الأعباء على بيت المال، وحاجتها إلى زيادة مواردها، للإنفاق على مقاتليها، وعلى أوجه عديدة. فالأحساء الغنية بالمياه وبالمزارع وبساتين النخيل، وبحركة تجارية واسعة، عبر موانيها على الخليج كانت مطمحًا لكل القبائل النجدية والقُوى السياسية فيها.
كثَّف سعدون بن عريعر في الأعوام التالية من نشاطه ضدّ الدولة السعودية، ليحول دون قيام دولة قوية في نجد، ومؤمّلًا، من وراء ذلك أيضا استعادةَ مكانة أسرته أمام سُكّان الأحساء بعد الضعف الذي حلّ بها، خاصة مع كثرة الفتن التي انتابتها.
ففي عام 1192ه/1778م تحالف مع زيد بن زامل الديلمي أمير الخرج؛ للقيام بأعمال عسكرية ضد الدرعية. وفي عام 1193ه/1779م حاول سعدون أنْ يحرّض بعض البلدان النجدية ضدّ نفوذ الدرعية، بالتحالف مع حرمة والزلفي، وهاجموا بلدة المجمعة التي كانت تمثّل مركز الحماسة للحكم السعودي، ولكنّ هذه الحملة فشِلت.
وفي عام 1195ه/ 1781م، قدّم سعدون مساعداته العسكرية إلى أهل الدلم ضد الحامية السعودية الموجودة في حصن "البدع" السعودي، كما سار في عام 1197ه/1783م بقواته إلى منطقة القصيم؛ لمساعدة أهلها ضدّ بريدة الموالية لآل سعود، إلّا أنّ جميع هذه المحاولات لم تنجح في تحقيق أهدافها.
وفي عام 1204ه/ 1789م جرت موقعة غريميل (جبل صغير تحته ماء قرْب الأحساء) حيث التقت القوات السعودية بقيادة الإمام سعود بن عبد العزيز قواتَ بني خالد بقيادة عبد المحسن بن سرداح وابن أخته دويحس بن عريعر. وبعد نِزال استمرّ ثلاثة أيام انهزم جيش بني خالد، وهرب عبد المحسن إلى المنتفق، وغنِم الجيش السعودي غنائم كثيرة، واستعمل الإمام سعود زيد بن عريعر أميرًا على بني خالد.
وفي عام 1206ه/ 1791م تحرّك الإمام سعود بقواته للقطيف.
وظلّ الوضع العسكري كذلك حتى عام 1207ه/1792م ؛ إذ توحّدت أغلب بلدان نجد تحت الحكم السعودي، فقويت شوكته وتعززت. وفي المقابل ساءت الأحوال في الأحساء التي آلت الأمور فيها إلى براك بن عبد المحسن بن سرداح، فسار الجيش السعودي نحو الأحساء، واشتبك مع أهلها في معارك عدة، وانكسر براك بن عبد المحسن وجيشه في معركة "الشيط"، شرقي "اللصافة"، ودخل على إثرها الإمامُ سعود بن عبد العزيز بقواته الأحساء، وبايعه أهلُها على السمع والطاعة، وأمن الطرق وتوطد الأمن، وأقام العلماء للتدريس وفي الأحساء أمر الإمام سعود وعيّن محمد بن سليمان أميرًا على القوات السعودية في الأحساء، ومحمد الحملي أميرًا إداريًا في المنطقة، وعيّن حُسين أبو سبيت مسؤولًا عن بيت المال في الإقليم.
ثم بعد مدة أرسلت الدولة قواتٍ ضخمة بقيادة الإمام سعود عام 1208ه/1793م، فهاجم بلدة الشقيق واحتلها، ثم دخل بلدة القرين، ثم المبرز، وألحق الهزيمة بزيد بن عريعر، ثم نازل أهل الجبيل. وفي هذه الأثناء عاد برّاك بن عبد المحسن من المنتفق، وانضم إلى الإمام سعود، مناوئًا لخصمه زيد بن عريعر، وتوجّه برّاك بنفسه إلى الدرعية؛ ليطلُب من الإمام عبد العزيز بن محمد الأمان لأهل الأحساء، فأجيب إلى طلبه، وانسحب الجيش السعودي بعد أن بايعوا على السمع والطاعة.
وعلى الرغم من انقسام أهل المنطقة، بين مؤيد للدولة ومعارض، فقد تمكن برّاك بن عبد المحسن من فرْض سيطرته على البلاد، بمساعدة النجدة السعودية التي وصلته بقيادة إبراهيم بن عفيصان، وانهزم أولاد عريعر من الأحساء، وصار برّاك نائبًا فيها عن الأمير عبد العزيز بن محمد، وزالت عنها ولاية آل حُميد، زعماء بني خالد عام 1208ه، بزوال ولاية زيد بن عريعر.
وقد ثار أهل الأحساء بتحريض من براك بن عبد المحسن نفسه، ولكنْ قضت على ثورتهم نجدةٌ قادها إبراهيم بن عفيصان، ثم قواتٌ كبيرة بقيادة الإمام سعود بن عبد العزيز الذي أخضعهم للحُكم السعودي، وسُمّيت غزوة الرقيّقة (محلة بالهفوف) أواخر عام 1210ه/1796م، وعاد إلى الدرعية، ومعه عدد من زعماء بني خالد، وولّى على المنطقة أميرًا من عامّة أهلها يُدعَى ناجم بن دهينيم.
بعد أن أخضعت الدولة السعودية الأحساء، أصبحت تشرف على مياه الخليج العربي. ومنها انطلقت لكي تنشر مبادئ الوحدة والأمن في المناطق الواقعة على الخليج، والاستفادة من الإمكانات التجارية الواسعة التي تموج بها، وأصبحت الدولة السعودية بعد دخولها الأحساء، قوة وطنية محلّية تصارع القُوى السياسية الأخرى في المنطقة. وقد اتجهت أنظار الدولة أولًا نحو قطر، بإيعاز من القائد السعودي إبراهيم بن عفيصان الذي غزاها أواخر عام 1207ه/1793م، واستطاع إخضاع معظم قراها: فريحة والحويلة واليوسفية والرويضة، وغيرها، وكتَب إلى الدرعية يطلب السماح له بمهاجمة الزبارة، فجاءته الموافقة من الإمام عبد العزيز بن محمد.
حاصر إبراهيم بن عفيصان العتوب (آل خليفة وجماعتهم)، وشدّد هجماته عليها، حتى استولى على قلعتها. فاضطر العتوب إلى الرحيل، وساروا إلى البحرين بوساطة البحر مقتنعين بأنّ رحيلًهم مؤقّت مرتبط ببقاء القوات السعودية في قطر، ظنًا منهم أنّ الحُكم السعودي فيها حملةٌ عابرة تنسحب بعدها القوات السعودية، وحينئذ يعود العتوب إليها.
وهكذا دخل السعوديون قطر التي أصبحت جزءًا من الدولة السعودية الأولى، التي أخذت تنشر فيها مبادى العدل والوحدة.
كانت جزيرة البحرين تحت سيادة آل خليفة الذين كانوا يقيمون بالزبارة في قطر، ومنها كانوا يديرون شؤون الجزيرة منذ عام 1196ه/1782م، وقد تركوا الزبارة إثْر دخول القائد السعودي إبراهيم بن عفيصان، وتوجهوا إلى البحرين. وقد سكن سليمان آل خليفة وأسرته قرية جوا في البحرين عام 1212ه /1797م، ولم تدم إقامتهم بها؛ لأنّ البحرين خضعت لحُكم السيد سلطان بن أحمد حاكم مسقط عام 1215ه/1800م، وعيّن أخاه سعيدًا حاكمًا عليها، فاضطر آل خليفة إلى العودة إلى "الزبارة"، بعد أن أعطاهم آل سعود الأمان.
أمّا الكويت فكانت تتمتّع بأهمية تجارية ممتازة، فهي مفتاح الخليج العربي في الشمال، تتحوّل إليها جميع السفن التي تحمل البضائع القادمة من الهند إلى بغداد، أو إلى بلاد الشام، أو إلى الأناضول، وغدت الكويت مركزًا، يُقيم به ممثّل شركة الهند الشرقية البريطانية، بعد أن نقَل مركزه من البصرة، كما أنّها من أكبر مراكز تجمّع البضائع التي ترد إلى نجد ومناطق غربي شبه الجزيرة.
كانت الكويت تتْبع حُكم بني خالد، وتُسمّى كوت بني عريعر قبل قدوم آل صباح، العتوب، إليها. وتختلف المراجع في تحديد عام التأسيس. وقد ظل العتوب تابعين لبني خالد، حتى ضعُفت سيادة بني خالد على الأحساء والمنطقة التابعة لها. وقام الشيخ صباح بسفارة إلى الباشا العثماني في بغداد؛ ليوضّح له أنّهم نزحوا طلبًا للرزق، ولا يريدون ضررًا بأحد، وطلَب منه إقرارهم على حُكم الكويت، مقابل إعلانهم التبعيّة السياسية للدولة العثمانية، فأجابه إلى طلبه.
وأمّا إقليم عُمان فكان يحتلّ قسمًا كبيرًا من شبه جزيرة العرب، وقد تواصلت الأعمال العسكرية السعودية فيه. ففي عام 1225ه/1810م خرج ثلاثة من أبناء الإمام سعود بن عبد العزيز: تركي وناصر وسعد إلى عُمان، دونَ عِلم والدهم، وانضمّوا إلى قوات مطلَق المطيري، وتمكنوا بمساعدة من قبائل الظواهر والجنبة وبني قتب والدروع من القيام ببعض العمليات الحربية، والاستيلاء على مطرح، قرب الساحل، وعلى خلفان وجعلان وصور وصحار. وكان لهذه الأعمال أثرٌ سيّء في نفوس العُمانيين، مما جعل قبيلة بني ياس تنقُض عهْدَها مع الدرعية، وتثور على الحامية السعودية، وتفتك بها، فأرسل الإمام سعود قائده مطلق المطيري مرة أخرى إلى عُمان، وأنزل الهزيمة بقوات سعيد بن سلطان. واستمرّ هذا القائد في عملياته الحربية لإخماد الاضطرابات، إلى أن قُتل في جعلان عام 1228ه/1813م، بينما شُغلت الدولة السعودية وقتئذ بقدوم قوات محمد علي باشا إلى الحجاز، فتمركزت قواتها في البريمي.
أصبح النفوذ السعودي حينئذ على احتكاك مباشر بالسلطة العثمانية، وكانت بداية تحدّي الدولة السعودية لوالي الشام عام 1221ه/1806م، حينما منع الإمام سعود بن عبد العزيز أمير الحج الشامي عبد الله باشا العظم من الوصول إلى الحرمَين، للحج بالمحمل، ترافقه الطبول والمزامير. وكادت تقع اصطدامات بين الجند السعوديين وجند عبد الله باشا العظم، الذي لم يكن في موقف عسكري، يسمح له بمقابلة السعوديين. وعلى أثَر ذلك عَزل السلطان سليم الثالث عبدَ الله باشا العظم عن منصبه ؛ لتقاعسه عن مواجهة القوات السعودية، ورجوعه بالحجاج، بناء على أمر من الإمام سعود، وعيّن بدلًا منه يوسف باشا كنج، وأصدر السلطان أوامره المشدّدة إليه بضرورة محاربة السعوديين، إلّا أنّه لم يقم بأيّ عمل إيجابي، وانصرف إلى جمع الأموال لنفسه وممطالة الدولة. واكتفى في ردّه على السلطان بإرسال الخطط الحربية التي يراها كفيلة بتحقيق رغبة السلطان، كما أنّ يوسف كنج كان قد اقترح أنْ تشترك معه ولايتا مصر وبغداد في إعداد الحملات؛ للقيام بالمهمة الموكلَة إليه.
وفي تلك الأثناء قام الإمام سعود بحملة عسكرية ضدّ الشام، وتمكّن من الوصول إلى ما وراء جبل الشيخ، وتنقّلت قوات السعوديين في سهل حوران، وهاجمت حصن المزيريب وبصرى، وكاتَب الإمامُ سعود وُلاةَ الشام، ودعا سُكّانها إلى الدخول في الطاعة، واعتناق مبادئ الوحدة، وانسحبت قواته من الشام محمّلة بالغنائم، وأصدر السلطان محمود الثاني أوامره بعزل يوسف كنج؛ لعدم كفاءته، وعيّن سليمان باشا واليًا على الشام، وطلب منه الاتصال بوالي مصر محمد علي باشا؛ لتنسيق جهودهما ضدّ الدرعية، إلّا أنّ سليمان باشا، ومحمد علي باشا، لم يكونا على وفاق؛ لذا اتجهت الدولة بأنظارها إلى والي مصر لتحقيق هدفها.
كان لا بدّ من قيام اتصالات بين الدولة السعودية الأولى، والدول الكبيرة في منطقة الخليج العربي، وقد أدّت العلاقة القائمة بين الدولة السعودية الأولى والقُوى المحلية في الخليج العربي، خاصة تلك القُوى المعارضة للدولة السعودية، دورًا بارزًا في حدوث مثل هذه الاتصالات، حين قامت بعض القوى المحلية في الخليج، بالاستنجاد ببريطانيا، وطلبت المساعدة منها ضدّ الدولة السعودية،كما فعلت سلطنة مسقط والبحرين.
كانت العلاقة السعودية البريطانية مجرّد اتصالات بسيطة جرت بين الدولتَين في مناسبات وظروف معينة،
وكان ثمة أحداث في المنطقة، أدّت إلى الاتصال بين بريطانيا والدولة السعودية الأولى، كالتحالف القائم بين السعوديين والقواسم الذين أصبحوا في عداء تقليديّ مع كلٍّ من حكّام مسقط وبريطانيا، وكان العداء بين القواسم ومسقط وبريطانيا، قد جرّ الدولة السعودية الأولى إلى خلافات مع بريطانيا.
وقد رأت بريطانيا ضرورة اتخاذ موقف ليّن تجاه الدولة السعودية الأولى، حينما شعَرت أنّ مصالحها الاستراتيجية في الكويت وجنوب العراق، أصبحت معرّضة للتأثير السعودي، خاصّة بعد وصول الحملات السعودية إلى تلك المناطق، وبعد نقْل المراكز التجارية البريطانية التابعة لشركة الهند الشرقية من البصرة إلى الكويت.
أرسلت بريطانيا رينود Reinaud، أحد مساعدي الوكيل البريطاني، المستر مانيستي Manisty عام 1214ه/1799م، إلى الدرعية رئيسًا للبعثة البريطانية الرسمية إلى العاصمة السعودية، لإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين، حول إيجاد نوع من العلاقات الودية وحُسن المعاملة بين الدولتَين، بعد ما اعترى هذه العلاقات من الخلافات، كان مردّها اشتراك عدد من حراس الوكالة الإنجليزية في الكويت مع القوات الكويتية، في ردّ هجوم سعودي ضد الكويت. ولم يكن موقف بريطانيا هذا، هو الوحيد المعادي للدولة السعودية؛ وإنّما كان هناك مواقف بريطانية مماثلة؛ إذ كانت تساند موقف مسقط، والبحرين ضدّ السعوديين في عدة مناسبات، بالإضافة إلى موقفها العدائي ضدّ القواسم حلفاء الدولة السعودية في منطقة ساحل عُمان.
أمّا العلاقات السعودية الفرنسية فلم تكن واضحة بالقدر الذي وصلت إليه العلاقات السعودية البريطانية؛ بسبب ضعْف النفوذ الفرنسي في الخليج العربي، وفي الشرق، إلى جانب ضعْف فرنسا بعد سقوط نابليون.
ولم تكن علاقة الدولة السعودية الأولى بدولة العجم في إيران حسنةً؛ للخلاف بينهما، وقد ازدادت سوءًا بعد غزو الدولة السعودية الأولى جنوبي العراق وهدْم المزارات الشيعية في كربلاء والنجف 1216 ه/1801م.
بعد هذا الغزو تحرّك الشعور الإيراني تجاه الدولة السعودية، وقرّر شاه العجم أن يتدخّل، وأبدى استعداده لغزو السعوديين. وأخبر بذلك الوالي العثماني في العراق، بل هدّد بغزو العراق إذا لم تستجب الدولة العثمانية لمطلبه، وهو الانتقام من الدولة السعودية، عن طريق إرسال حملة عسكرية عثمانية قوية من العراق ضدّ السعوديين.
كان التوسّع السعودي في شبه الجزيرة العربية، مصدر تهديد للدولة العثمانية ومكانتها في العالم الإسلامي، خاصّة بعد سيطرة السعوديين على الحرمَين الشريفَين. وحرصت الدولة العثمانية على استعادة تلك المكانة، والقضاء على الدولة السعودية، فكلّفت والي بغداد الذي أرسل حملتيْ ثويني بن عبد الله، والكيخيا علي باشا اللتيْن باءتا بالفشل.
ولم يكن أمام الدولة العثمانية سوى تكليف السلطان العثماني مصطفى الرابع، عام 1222ه/1807م، والي مصر محمد علي باشا بمهمّة القضاء على الدولة السعودية.
اعتذر محمد علي عن القيام بهذه المهمة الصعبة؛ بسبب الظروف الاقتصادية السيئة في مصر، الناتجة عن انخفاض فيضان النيل، واستيلاء المماليك على الصعيد، والخشية من أطماع الدول الأوروبية في مصر.
ولمّا كرّر السلطان تكليفه محمد علي باشا، خشي أن يكون هناك شَرَك تنصبه له الدولة، وأبدى هذه المرة عذره بأنّ قوته العسكرية غيرُ كافية للقضاء على السعوديين، ولا بدّ من حشد طاقات عسكرية كبيرة، من ولايات العراق والشام، إلى جانب قوة مصر. كما أنه منذ عام 1223ه/1808م بدأ يثير مشكلة تخوّفه من والي الشام سليمان باشا الذي يتّهمه بالتعاون مع خصومه المماليك، وربَط قبولَه هذه المهمة بعزل هذا الوالي، وإسنادها إلى صديقه والي الشام السابق يوسف كنج الذي لجأ إلى مصر فارًّا من الدولة. كما اقترح على الدولة وجوب تسيير الجيوش البرية من الشام، بقيادة سليمان باشا نفسه، ليأمن جانب غدره به، أثناء تغيبه في الحجاز. وفي الحقيقة، كان محمد علي باشا، يطمع في أن تُسند إليه ولاية الشام، إضافة إلى ولاية مصر.
جنّد محمد علي باشا طاقاته، وأعدّ الجيوش البرية والبحرية، وعاونه على ذلك ماليًا رئيس تُجّار مصر السيد المحروقي، ودبّ النشاط في مرافق بناء السفن، في السويس والقاهرة؛ لتجهيز السفن اللازمة لإبحار الجنود.
حانت لمحمد علي باشا الفرصة للتخلص من خصومه، أمراء المماليك، في مذبحة القلعة التي دبّرها، في 6 صفر 1226ه/1 مارس 1811م، في مأدبة أقامها لهم هناك وغدَر بهم.
طلب محمد علي من الباب العالي أنْ يُمدّه بلوازم للجيش، وهدايا وخلعا، لتقديمها إلى مشايخ القبائل، لاستمالتهم إلى جانبه، ولكنّ الدولة لم تُسعفه بشيء من هذا، سوى عدد قليل من المدافع.
وبلغ عدد رجال الحملة ثمانية آلاف رجل، منهم خمسة آلاف من المشاة والمدفعية، أقلّتهم ثلاث وستون سفينة، وثلاثة آلاف من الفرسان، انطلقوا برًّا بقيادة أحمد طوسون بن محمد علي عبْرَ العقبة.
تهيأت في الحجاز عوامل نجاح الحملة؛ فالشريف غالب يتطلّع إلى الخلاص من الدولة السعودية، كما أنّ انقطاع الحجاج من الولايات العثمانية الغنية أضرّ بالتجار الحجازيين، وبزعماء القبائل الذين كانوا يتقاضون إتاواتٍ على قوافل الحج.
بدأت قوات محمد علي باشا سفرها إلى الحجاز في 19 رجب 1226ه/8 أغسطس 1811م، ووصلت إلى ميناء ينبع الواقع تحت حماية قبيلة جهينة المؤيدة للدرعية، فأخذ طوسون يستميل القبائل القاطنة قرْب ميناءَيْ المويلح وينبع؛ بالأموال والهدايا؛ لتكون سندًا لقواته.
تواجهت القوات السعودية، بقيادة عبد الله بن سعود، وسعود بن مضيان، في قتال حقيقي، مع قوات طوسون. وكانت القوات السعودية، قد تمكّنت من احتلال الروابي المرتفعة في الوادي، وأنزلت قوات السعوديين هزيمة قاسية بقوات محمد علي، التي استولى عليها الرعب، ولاذ أحمد طوسون باشا بالفرار إلى ينبع، مع من بقي حيًّا من قواته، وأسرع يطلب المدد من والده.
وصلت الإمدادات بقيادة أحمد بونابرت (الخازندار) 1227ه/1812م، فتمكّن طوسون بعد وصولها من نقْل مركز قيادته إلى بدر، ونظّم قواته ورتّبها ترتيبًا عسكريًا جيدًا، وزحَف بها إلى وادي الصفراء، فتمكّن من احتلاله، ثم تقدّمت قوات طوسون إلى المدينة المنورة، وحاصرتها، وتمكّنت من فتح ثغرات في سورها بالمتفجرات.
وبسبب طول مدة الحصار، وقطْع الماء والطعام عن المدينة، وانتشار الأمراض، استسلمت القوات السعودية المتحصنة بالمدينة، ودخلتها قوات طوسون، في ذي القعدة 1227ه/نوفمبر1812م، وأرسل طوسون البشارة إلى والده مصحوبة بثلاثة آلاف من آذان القتلى، ومفاتيح الحرم النبوي الشريف.
ارتفعت معنويات طوسون وجيشه، وسرَت فيهم الحماسة، وكثُر عدد المنضمّين إليهم من رجال القبائل. بينما أصبح جهْد القوات السعودية منصبًا على الاحتفاظ بمكة المكرمة وما جاورها.
وبمساعدة الشريف غالب، وبعض البدو، تمكّنت القوات المصرية من دخول مكة دونَ قتال، بعد أن كانت قوات
عبد الله بن سعود، قد انسحبت إلى قرية العبيلاء، قرب الطائف، واتخذتها معسكرًا عامًا لها. وعمّ مصر والآستانة السرور بهذا الحدث.
بعد أن استتبّ الأمر لطوسون في مكة زحفت قواته التي انضمّ إليها الأشراف، إلى العبيلاء، ثم الطائف وغيرهما حتى دخلت المدن الحجازية الكبيرة تحت سيطرة طوسون. وحققت القوات المصرية الهدف الأساسي للدولة العثمانية، وهو استعادة الحرمَين الشريفَين، من السعوديين. وإن كانت الدولة السعودية، قد فقدت الحجاز، فهي لا تزال قوية محتفظة بالمناطق الأخرى التي تثق بولاء سُكّانها.
وأحدثت القوات السعودية تغييرًا في خُططها العسكرية، فأخلت مواقعها تدريجيًا، وركزت قواتها في الأراضي النجدية، وأعدّت الدرعية جيشَين كبيرَين ألحقا بطوسون وقواته هزائم وخسائر كبيرة جعلته يقرّر إنقاذ ما بقي من قواته، والاكتفاء بالحاميات، في كلٍّ من الطائف وجدة ومكة وينبع، إلى حين وصول إمدادات من مصر، خاصة أن الهدف من حملته قد تحقّق، وهو تخليص الحجاز من الحكم السعودي.
وفي هذه الأثناء، برزت فكرة عقد الصلح بين الطرفَين. ولكنّهما لم يتوصّلا إلى تفاهم حول شروط الصلح، نظرًا إلى إصرار محمد علي باشا، أنْ يدفع سعود كل ما صُرِف على حملة الحجاز، وردّ النفائس التي كانت في الحجرة النبوية الشريفة، وحضور سعود بنفسه لمقابلة محمد علي، فعدّ سعود بن عبدالعزيز هذه الشروط إهانة له، وانقطعت المباحثات، وقرّر الطرفان مواصلة القتال.
وصمَّم محمد علي باشا على خوض القتال بنفسه؛ لإنقاذ قواته، ورفْع سُمعته لدى الباب العالي، في العالم الإسلامي.
لقد كانت الدولة العثمانية حريصةً على استرجاع سيادتها على الحرميْن الشريفيْن حتى تستعيد هَيْبتها في العالم الإسلامي، وتسترجع مركزها الديني، فكيف تُترَك هذه القوة الفتية ودعوتُها لتهدّد زعامة السلطان العثماني الدينية، ومن ثَمّ لم تجد الدولة العثمانية بُدًّا من الاستعانة في عام 1807م /1222ه بواليها على مصر محمد علي للقيام بحملة للقضاء على النفوذ السعودي في الحجاز، وذلك بعد أن فشِل واليها على العراق وواليها على دمشق في القيام بهذه المهمّة.
وكان انتهاء الدولة السعودية الأولى في عام 1233ه/1818م؛ نتيجة للحملات التي أرسلتْها الدولة العثمانية عن طريق واليها في مصر محمد علي باشا، وكان آخرها حملة إبراهيم باشا التي تمكّنت من هدْم الدرعية وتدمير العديد من البلدان في نجد لكنها لم تدمر الإرادة في همم السعوديين في استعادة بلادهم ضد العدو، وتحقيق الوحدة والأمن بقيادة سواعدهم وفي ظل قادة بلادهم من الأسرة السعودية.
*أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.