الزحام الشديد الذي تشهده الرياض مؤخراً، خصوصاً خلال فترة الذروة مع بدء ساعات العمل ونهايتها، أصبح يؤثر بشكل سلبي على جودة حياة سكان العاصمة. حيث يقضي عدد كبير من الموظفين ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات في رحلة الذهاب والعودة إلى أعمالهم. الاختناقات المرورية تمتص طاقة الإنسان في الصباح وتؤثر بشكل سلبي كبير على أدائه الوظيفي وحبه لمكان العمل، كما تقتل حيويته عند عودته للمنزل، وفي الغالب ينطوي الإنسان على ذاته ولا يحاول الخروج من المنزل للترفيه أو الاختلاط مع مجتمعه لأن طاقته استهلكت ما بين العمل وبين رحلة الذهاب والعودة منه. وإذا أضفت للزحام رعونة وتهور السائقين فإن حدة التوتر ترتفع بشكل كبير. وإذا أخذنا هذه التفاصيل على المدى البعيد فسنجد أن الزحام والقيادة المتوترة يلقيان بأعباء سلبية على الفرد والاقتصاد بشكل كبير. حيث كشفت دراسة أجريت في الولاياتالمتحدة أن الزحام المروري يكلف الاقتصاد الأمريكي ما يقارب من 179 مليار دولار كل عام، وفقًا لمعهد Texas A&M Transportation. مدينة الرياض تتوسع وتتمدد، ويرتفع عدد سكانها بشكل متزايد، والخطط الطموحة للعاصمة ستجعل منها وجهة أساسية للأعمال والسياحة؛ مما يعني زيادة الكثافة السكانية لما يقارب ضعف العدد الحالي بحلول 2030، وهذا ما يدعو إلى العمل على حلول سريعة وأخرى طويلة الأمد لاحتواء أزمة الاختناقات المرورية، وخلال الأسبوع الماضي أكد المتحدث الرسمي للمرور البدء بالبحث عن حلول لهذه الأزمة وطرح بعض المقترحات لتنفيذها. لا أعتقد أن الاختناقات المرورية التي تمر بها العاصمة حالياً عصية على الحل، حيث يوجد العديد من الأفكار القابلة للتطبيق، النقل العام عادة هو جزء من الحل لكن الرياض وما ينتظرها من مستقبل واعد تحتاج إلى أكثر من حل مبتكر لمواجهة اختناقاتها المرورية؛ من ذلك مثلاً تشجيع العمل عن بعد في عدد من الجهات الحكومية والخاصة؛ هناك مئات الآلاف من الوظائف التي لا تتطلب الحضور الجسدي، ومن الممكن إنجازها بشكل كامل عن بعد. من الممكن أيضاً إحياء الضواحي والمدن والمحافظات التي حول العاصمة، وذلك عبر توصيلها بشبكة قطارات سريعة جداً، الكثيرون يفضلون السكن في الضواحي خصوصاً إذا كان هناك قطار يصل إلى وسط العاصمة خلال نصف ساعة أو أقل، وهي ممارسة ناجحة تعمل بها الكثير من المدن المكتظة. هناك الكثير من الحلول المبتكرة لمواجهة الاختناقات المرورية في العاصمة، وأتمنى أن نرى مخرجات ورشة العمل التي نظمتها الإدارة العامة للمرور مع عدد من الجهات على رأسها الهيئة الملكية لمدينة الرياض، ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ووزارة النقل والخدمات اللوجستية وغيرها، تدخل حيز التنفيذ بشكل سريع للتخفيف من هذا الزحام الذي أصبح بالفعل يؤثر على جودة حياة سكان العاصمة.