الكل شاهد بطولة كأس العالم الأخيرة "قطر 2022" لكن كانت النظرة متباينة بين الحبور والسعادة نظير ما كانت عليه البطولة من تنافس كبير وإثارة وأهداف رائعة ونجوم زادوا من ألق الكرة العالمية، يعزز ذلك تنظيم مثالي وتلاقٍ ثقافي عرقي إيجابي على أرض قطر لم يعرف التاريخ مثيلا له.. وبين توتر أراد أصحابه إخراج البطولة عن مسارها! ما حدث في قطر بدأ وكأنه قصص جميلة متناثرة من واقع ألف ليلة وليلة.. لكنها كانت محفزة للبحث عن كأس عالم جديد للجماهير وليس فقط للمنتخبات لتكون مصدر سعادة لكل محبي كرة القدم، ورغم ذلك كان هناك نوع من التوتر والفزع صاحب أجواءها قبل أن تبدأ وأثناءها، أرادته الفوقية وفق متطلبات ليس لها علاقة بالتنافس طالبت بتمريرها والعمل في إطارها! عمل المستضيفين والمنظم الفيفا على أن يستمتع الجميع بكأس العالم، وأن تتابع كل جماليات التنافس بكل تفاصيلها، أن ترى كيف تتجلى قدرة الفريق وكيف تنشأ وتتطور أسطورة اللاعب، في ميدان ليس فيه دولة كبرى وأخرى صغرى.. تنافس حقيقي دون أن تختل الأمور، ومن دون أي ضغينة.. تبارٍ حقيقي يشارك فيه كل الأعراق والأجناس والألوان دون تفرقة أو تمييز.. ومع كل ذلك الجمال حضرت الغطرسة التي تعتقد أن هناك شعوبا أرقى وأخرى أقل، وحينما لم يتهيأ لهم لصرامة المستضيف والمنظم، قلبوها عرقية مقيتة، فهذا من أصول إفريقية أضّر بمنظومة الأوروبي لوجوده في فريقهم.. وذلك ارتدى الزي العربي وانتهك مواثيق البطولة. هم أرادوا ذلك.. لكن قوة المدرجات وبساطة الشعوب تفوقتا عليهم لأن فيها تذوب الاختلافات وترحل الفوارق.. رفضت الاختلافات ونادت بالمحبة وتبادلت الأهازيج المفرحة، بل وبادرت بارتداء قمصان المنتخبات الأخرى وشعاراتها، وفعلت ذلك مع القبعة المكسيكية والبشت العربي.. كل منهم يحب المستديرة.. وكل يناصر بلاده في إطار احترام الآخرين وإدراك حقوقهم.. وكأنهم يقدمون رسائل لأولئك بأن على الكرة الأرضية حبا وتلاقيا وإيمانا بحقوق الآخر.. دون تسلط وفوقية. تناسوا أن كرة القدم لغة جميلة في تعبيرها تتمايل كالنسيم العليل وأشد جذبا، لتكون محل ترويح بات الأول لسكان هذه المعمورة، وعليه فهي امتداد مستمر للمتعة وأن كل فرد يتمنى أن يكون مصدر هذه المتعة تعبيرا عن جماهير هذه الساحرة الذين يؤمنون أن المتعة في كرة القدم لا يحكمها أحد ويدركون الإمكانيات والفوارق التي لا يستطيع أي متسلط سرقتها أو يجيرها لصالحه. المهم في القول إن كرة القدم أثبتت من خلال مونديال قطر أنها أفضل سبيل لتقريب الشعوب وزيادة تآلفهم، بل إن هذه الكرة قد قلبت مفهوم صراع الحضارات إلى تقارب الحضارات، ولتؤيدوا ذلك بقوة تأملوا ما حدث في قطر فقد كان تلاقيا حضاريا راقيا.