تكاد تكون النسخة الأقوى والأجمل لكأس العالم منذ انطلاقتها التي احتضنتها الشقيقة قطر، في تظاهرة عالمية مدهشة اشرأبت إليها الأعناق من كل أصقاع الدنيا بكل إعجاب وافتتان، حيث طغى سحر هذه المجنونة "كرة القدم" وتمايلت معها الأجساد وتراقصت على جنبات الملعب وخارجه أيضاً. ولم يخطئ من خلع على هذه المستديرة صفة "المجنونة"، فهي الوحيدة القادرة على أن تجعل الغالبية يتحلّقون حول الشاشات لمشاهدتها والاستمتاع بسحرها بعيداً عن الصراع الهويّاتي، فنُشدان المتعة وأفانين هذه المستديرة هو ما يتفق عليه المتابعون داخل الملعب أو خارجه. يرى أحد الروائيين بأنها "كرة القدم" أشبه بالأدب فهي داخل الملعب استعارة، ويزداد توصيفه لها طرافة حين يرى أنها الشيء الوحيد في هذا العالم الذي يُمجّد المجهود الفردي، وأنها أيضاً الشيء الوحيد الذي بإمكان الضعيف أن يتلاعب بالقوي، فضلاً عن أنها "الكرة" تخاطب الغرائز البدائية، فالإنسان -بحسب وصفه- في عمقه صياد، والكرة توفّر له هذا المشهد: الشبكة وما يحتدم بسببها من صراع وتنافس. وبعيداً عن التوصيف السابق، فلا يمكن تجاهل الأثر العظيم الذي أحدثه هذا المونديال ثقافياً وحضارياً وإنسانياً، بل إنه كان فرصة للباحثين السوسيولوجيين لقراءة هذه الظاهرة العالمية المهمة، وتفكيك هذا الحدث وقراءته علمياً، واستخلاص نتائج يمكن الاستفادة منها في سبر ثقافات وحضارات الأمم من ناحية أنثروبولوجية وغيرها. ويبقى الجانب المشرق الأهم والملمح الأبرز هو النجاح اللافت والإدارة الاحترافية للأشقاء في قطر أن أداروا هذا الحدث العالمي بكل براعة وإبداع، فضلاً عن تقديمهم صورة مشرفة لنا كعرب من حيث القدرة على إدارة هكذا احتشاد كبير، وكذلك الصورة الذهنية المبهجة عنا كعرب يتمتعون بالكرم والاحتفاء بالإنسان والقيم الإنسانية النبيلة دون ارتهان للاحتلاف العرقي أو الديني أو اللغوي وغيره، فبدا احتضان هذه الكأس في أبهى صورة وأرقى تعاطٍ وأجمل عطاء.