لا شك في أن الجهود والإجراءات المتتالية لمكافحة الفساد إلى حد ما تمثل تحولاً حقيقياً في مواجهته بكافة أشكاله، وباتت اليوم من أولويات الاهتمام للقيادة الرشيدة في هذا الوطن الغالي، والعزم على الإطاحة برؤوسه وتعرية رموزه واجتثاثه من جذوره، انطلاقاً مما يبرزه الفساد من استنزاف لمقدرات الوطن ومكتسباته وتهديد حقيقي لكفاءة البنية التنموية والاقتصادية، مما يجعل منه مقوضاً لعوامل الثقة فيما يتمتع به الاقتصاد الوطني من مقومات تنافسية كأحد مستهدفات النهوض برؤية المملكة 2030 الواعدة، وبالتالي ما يستلزمه القضاء على الفساد بجانب جهود المؤسسات الأمنية والقضائية من جهود لاستحداث مصفوفة تشريعية نوعية وموحدة وحديثة ومتناسقة، وتواكب ما يستجد من أنماط وممارسات وأساليب فاسدة. تشريعياً الفساد محكوم بأنظمة موضوعية وإجرائية وقرارات متعددة، أهمها: المرسوم الملكي الكريم رقم (43) الخاص بالجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة؛ وما ورد في نظام مكافحة الرشوة من جريمة رشوة أصلية وجرائم ملحقة بها وما ورد عليه من تعديلات لاحقه؛ والأمر الملكي الكريم القاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد، وعضوية كل من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة؛ وما ورد من تعديل للبند (رابعاً) من نظام الإجراءات الجزائية بشأن رفع الدعوى الجزائية على الوزير أو من هم في حكمهم، وذلك بحذف عبارة "ولا تسمع بعد مضي (ستين) يوماً من تاريخ نشوء الحق المدعى به"؛ والأمر الملكي الكريم القاضي بالموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري والتي تضمنت ضم كل من: "هيئة الرقابة والتحقيق" و"المباحث الإدارية" إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، وتعديل مسماها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد". ولهذا نقول: وفي خضم ما يعيشه وطننا في هذا العهد الميمون من حراك نوعي مبارك طال مجالات عدة بما في ذلك إصلاح بيئة التشريعات بسن وتطوير عدد من الأنظمة المهمة والتي كان آخرها تطوير عدد من منظومة التشريعات المتخصصة، وجاري استكمال ما تبقى منها، قد يكون من المناسب في ظل العمل على مشروع "نظام العقوبات" التفصيل فيما يندرج تحت مصطلح الفساد من سلوكيات وممارسات تسمى ب"الفساد الصامت"، والتي تنشأ عادة نتيجة إساءة استغلال الموظف العام ومن في حكمه لنفوذ المنصب الوظيفي واستعمال السلطة الوظيفية داخل الدائرة الحكومية أو خارجها لتحقيق مكاسب شخصية باعتبارها إحدى أسوأ صور الفساد الإداري الخفية.