عندما اخترع الأخوان "لوميير" آلة السينماتوغراف وعرضا أول عروض مرئية متحركة في التاريخ، في أواخر ديسمبر من سنة 1895، لم يكونا يحلمان بأن آلتهما هذه ستشكل نواة فن متكامل سيتطور ويتجدد على مدار عقود وعقود، حتى أصبح محتكرا للساحة الفنية بدون منازع؛ لاسيما في عصر يؤمن بمحورية الصورة وأهميتها أكثر من الكلمة في التعبير في ذات الآن عن عوالم الإنسان الداخلية والخارجية. ورغم أن السينما في بداياتها الأولى كانت مجرد تحريك لصور ثابتة، إلا أنها في الوقت الحالي أصبحت تستفيد من الإمكانات الهائلة التي يتيحها الحاسوب والبرامج المعلوماتية في تطوير منطق اشتغالها، وطرائق سردها، ومختلف زوايا إخراجها. وبغض النظر عن كل ما سبق، فالسينما تعتبر فنا متكاملا بالنظر إلى تضمنها لكافة الفنون السابقة عليها؛ وكأنها مفترق طرق تصب فيه كافة الممارسات الإبداعية الإنسانية؛ من رسم، ونحت، وعمارة، وشعر، موسيقى، ومسرح وغيرهم. بل إن السينما أحيانا تكون في خدمة هذه الفنون، فتُعرِّف بها وبأصحابها، وتوجه إليها أنظار المشاهدين. ومن أمثلة ذلك أن جميع الأفلام المستوحاة من روايات الكاتب الأمريكي "دان براون"، والتي اضطلع ببطولتها الممثل الشهير "توم هانكس" تعلي من شأن الرسم والنحت والمعمار؛ وهذا ما لمسناه بأوضح السبل في أفلام: دافنشي كود، وملائكة وشياطين، والجحيم. كما أن سلسلة أفلام المهمة المستحيلة لبطلها "توم كروز"، جعلت موسيقاها التصويرية أشهر من نار على علم؛ بحيث بمجرد ما يذكر الفيلم تستحضر موسيقاه، وبمجرد ما يستمع إلى هذه الموسيقى يأتي الفيلم مباشرة إلى الأذهان. بل إن فيلم المعرفة (Knowing) الذي كان من بطولة "نيكولاس كيدج" جعل جزءا من سيمفونية بيتهوفن السابعة يدخل البيوت ويشنف الآذان، وعرَّف بها وجعل الناشئة التي لا تهتم بالموسيقى الكلاسية عموما تبحث عن أصل هذه الموسيقى وتستمع إلى باقي هذه السيمفونية. ولا ننسى أن مختلف الأفلام التاريخية تُبئِّر المكان، وتبحث عن استعادة صورته كما وصفت في المراجع التاريخية، وكما تخيلها المخرجون، وتجسيدها، باذخة، أمام المشاهد لنقله من خلالها، ومن خلال الجو العام للسرد، إلى تلك الأجواء الماضية. تفيد السينما، إذن، مختلف الفنون التي تحتضنها، وتستفيد منها في اكتسابها يوما بعد آخر مزيدا من المتابعين والمحبين. * أستاذ مُبَرَّز في اللغة العربية - المغرب توم هانكس نبيل موميد