تثير القهوة السعودية الشجون حين يتحلق حولها عُشاق القهوة والجلسة الأنيسة العابقة بالحديث والذكريات. وتَنثاَل القصص والحكايا مع فوح رائحة الهيل والبن المحمصَّ ببراعة وشغف. اعتاده السعوديون في جلساتهم ومؤانساتهم. ويعبَّر خبير القهوة عبدالله المسفر عن سعادته بالمشاركة في معرض القهوة السعودية الذي تنظمه هيئة المتاحف - حالياً - في قصر المصمك بالرياض قائلاً: "أجد نفسي عاجزاً عن إخراج مشاعري الوجدانية تجاه القهوة؛ فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً وهي رفيقة دربي في الحل والترحال". وبشعور غامر بالفرح يلفت المسفر - الذي يتربع في مجلس مصغر تسبح في فضائه حبّات البُنّ - إلى جمال تفاصيل القهوة السعودية حين يراها قاصدي المعرض، ويشيّع الزوار بفنجان من الحكايا المرتبطة بها، راوياً القصائد والقصص ومثيراً حواسهم الذوقية. ويسترسل في ذكر أساليب قطفها، وطريقة طهيها، فاتحاً غطاء دلته لينبثق منها المزيد من القصص الفواحة برائحة البن؛ مثرية إدراك الزائر؛ ويكمل حديثه بقوله: "ازداد اهتمامي بالقهوة بعد تزكية وثناء الأهل والأقارب على تمكني من إعدادها، مما دعاني إلى اقتناء أدواتها أو ما تسمى ب "معاميل القهوة" كالمحماس الذي يستخدم لحمس البُنّ، والمبرد ووظيفته التبريد بعد حرارة الحمس، ثم النجر المستعمل بدقّ وطحن القهوة". وأشار خلال حديثه إلى أن القهوة السعودية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات وتقاليد المجتمع، وتبرز السمات المجتمعية التي تميزه كونها أحد أدوات كرم الضيافة قائلاً: "يكفي أنها تلم شمل الأصدقاء، وتحثهم على تبادل نفائس القصص والأشعار، ويتسامرون وهي تعطر مساءاتهم المأنوسة بشجون الأحاديث". ويحرص المسفر على حد تعبيره على حضوره الدائم للفعاليات الثقافية؛ ليشرح للزوار تفاصيل هذا الموروث الأصيل، إذ يكشف دلالاته المتجسدة في عدة قيم متناغمة كالنبالة والسخاء والأصالة، بيد أن لها تأثيراً معرفياً؛ نظراً لاحتوائها على معانٍ فريدة اضفت على الثقافة السعودية مميزات فائقة الجمال. وأشاد خبير القهوة بالدور الذي تقوم به وزارة الثقافة لترسيخ هذا الموروث من خلال تسمية عام 2022 بعام القهوة السعودية، مبرزة اهتمامها بالقهوة عبر تنفيذ عدد من الفعاليات والأنشطة التي تربط الأجيال بثقافتهم، وحرصها الدائم على حضور القهوة في مبادرتها التفاعلية كأحد عناصر الثقافة السعودية. يُذكر أن معرض القهوة السعودية في متحف المصمك يستمر حتى 31 ديسمبر في سياق التعريف بثقافة القهوة السعودية، من خلال عرض الأدوات التاريخية المستخدمة في زراعة القهوة وقطفها، وأدوات تحميصها وإعدادها وتقديمها للضيوف.