هذا المقال ينطلق من قراءة كتاب صادر عن مركز العالم للتوثيق/ مؤسسة العالم للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع 2022.. الكتاب بعنوان (عشت لم ألتفت). الكتاب رؤية سردية للمسيرة الرسمية والتطوعية للقائد الإداري الشيخ عبدالله العلي النعيم، من إعداد مركز العالم للتوثيق، وإشراف أ. د. محمد الطريقي. كتاب إداري واجتماعي وإنساني يقدم للقارئ أسلوبا مختلفا في القيادة الإدارية، وإدارة الأزمات، والاخلاص في العمل. حياة إدارية مارس فيها بطلها العمل الميداني أكثر من العمل المكتبي واهتم بالإنجازات وليس بالشكليات. هذا الكتاب وغيره من الكتب المماثلة تستحق أن تدرس في الجامعات ومعاهد التدريب خاصة أنها تقدم تجارب عملية في ظروف مختلفة. تلك الظروف كانت صعبة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، وكذلك في توفر الكفاءات البشرية الوطنية بنفس الكم والكيف كما هو في واقع اليوم. تلك الظروف الصعبة دفعت بالكثيرين للعمل في مجالات مختلفة تبدأ أحيانا من الصفر بحثا عن الذات كما هو حال عبدالله العلي النعيم الذي أضاف الكثير في مسيرة طويلة من خلال العمل الرسمي والعمل التطوعي في مواقع مختلفة. في رحلة النعيم في البحث عن الذات التي بدأت في سن الرابعة عشرة دروس في الصبر والإرادة والتحمل واستثمار الفرص. في هذه الرحلة عمل عبدالله النعيم في مجالات مختلفة وقطاعات حكومية وأهلية وتطوعية، عمل في التجارة كتاجر صغير في تجارة التجزئة، عامل محطة بنزين، عامل في شركة خط التابلاين، وفي حقل التعليم حيث عمل مدرسا وكان مؤهله شهادة الصف الخامس الابتدائي، ثم وكيل مدرسة ثانوية بجدة، ثم مديرا لمعهد المعلمين بالرياض ثم مديرا للتعليم بالرياض ثم واصل -خلال عمله- طموحه في طريق التعليم وعمل وهو طالب في جامعة الملك سعود أمينا مساعدا للجامعة ولم يتوقف الطموح والوضوح في الأهداف حتى حصل على الدكتوراه. تضمنت رحلة البحث عن الذات توليه -قبل مناقشة رسالة الدكتوراه- مسؤولية إدارة أزمة الغاز في المملكة في تلك الفترة. ثم كان التحدي الأصعب حين أصبح أمينا لمنطقة الرياض، يضاف إلى ما سبق أنه شغل منصب أمين عام الهيئة العليا لمدينة الرياض إضافة إلى رئيس مجلس أمناء المعهد العربي لإنماء المدن، ومشاركة في لجان ومجالس إدارات ومنظمات مختلفة، حقق نجاحات وإنجازات جعلته يستحق وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة، ولقب أمين المدن العربية، والدكتوراه الفخرية من جامعة السوربون. وهكذا يمكن القول إن النمط القيادي لعبدالله النعيم اتسم بأنه تأسس على خبرات عملية متنوعة في قطاعات حكومية وأهلية وخيرية، كم هائل من الخبرات الإدارية كونت شخصية قيادية ذات نمط تبرز فيه صفات التواضع والطاقة الايجابية والجلد والصراحة والحزم والجمع بين الحدس والمعلومات في اتخاذ القرارات وإن كان الحدس هو الأرجح في حالات كثيرة في توفير الحيثيات والقدرة على الاقناع بهذه الحيثيات، ولم يكن من النوع الذي يقول نعم لرئيسه دون نقاش. (راجع صفحة 75 في حواره مع الملك فهد -يرحمه الله- عن أشجار النخيل في الشوارع). ومن صفات هذه الشخصية القيادية عدم الاهتمام بالمسميات والألقاب، عفوية وبساطة لا تتخلى عن الجدية والمهنية وتحقيق الأهداف والإنجازات دون تسويف، رؤية واضحة حين يلتقي بالقيادات السياسية، وتحضير جيد لما يقدمه من مبادرات ومقترحات أكسبته ثقة القيادة. القراءة في الكتاب الذي هو محور هذا المقال يتضمن تفاصيل كثيرة ودروسا في القيادة الإدارية قد لا توجد في أدبيات الإدارة. العامل الطفل في محطة البنزين في سن الحادية عشرة عبدالله النعيم الذي غلبه النوم فنام أثناء عمله مرتين فتعرض للفصل يدعوكم إلى التعرف على ما تبع تلك الغفوة في مسيرته العملية من خلال صفحات الكتاب المشار إليه.