الدكتورة حنان الأحمدي مديرة معهد الإدارة العامة للقسم النسائي دفعها حب الاطلاع للتعرف على مجال جديد والخوض في عالم مختلف لدراسة العلوم الإدارية، والتخصص فيما بعد بمجال له حاجة شديدة في سوق العمل، تجد أن المرأة السعودية تجيد التخطيط ولكنها محرومة من هذا الخيار لعدم إتاحة الفرص، وتؤمن كثيراً بأهمية تطوير منظومة التعليم العام ليتبنى أبناؤنا وبناتنا القيم المهنية والمهارات الذاتية التي تساعد على تكوين ثقافة إنتاجية تصل لمستوى التنافسية العالمية، وترى نفسها في جدها وجدتها، وفي العادات والتقاليد، وفي ذات الوقت تملك الروح الحرة والفكر المستنير الذي لا يتعارض مع الأصالة والعراقة والانفتاح على الآخرين، وتشيد بمشروع الحوار الوطني الذي نجح في كسر الحواجز التقليدية في تناول العديد من القضايا الفكرية المحلية، تميل إلى عدم التركيز على السلبيات ولا تنشغل كثيراً بالاعتقادات السائدة حول صراع وهمي أو مفتعل بين الرجال والنساء ليجعلنا في حالة دفاع مستمر ويشغلنا عن القيام بإنجازات حقيقية. كان ل «الحياة» معها هذا الحوار. هل جربتِ يوماً أن تقفي على مفارق طرق لاختيار الدراسة الأكاديمية؟ - توقفتُ عند عدة مفارق، ولكن في معظم الأحيان، الطرق كانت محدودة بمحدودية الخيارات المتاحة للفتاة السعودية المتخرجة من الثانوية العامة آنذاك، وبالنسبة لي كان الخيار إما التدريس أو الطب أو العلوم الإدارية، وكانت العلوم الإدارية وبالتحديد مجال الاقتصاد أكثر إثارة وتشويقاً من غيره، وخصوصاً أني لم أكن أعرف أي أحد تخصص فيه، فكان تخصصاً جديداً ومثيراً واستمتعت كثيراً بمعظم المواد التي درستها... أما الدراسة العليا في مرحلة الماجستير والدكتوراه فكانت في مجال الإدارة الصحية، وكان اختياراً واعياً ومتأنياً لإدراكي بالحاجة لهذا التخصص في المملكة. هل تجدين أن المرأة السعودية تجيد التخطيط لمستقبلها العلمي؟ - جودة التخطيط ليست رهن مهارة المخطط فقط، بمعنى أن المرأة قد تجيد التخطيط لكنها قد لا تملك الخيار، بسبب محدودية الفرص وشح المعلومات والقيود المجتمعية التي قد تجعلها في نهاية المطاف مسيرة في اتجاهات معينة. لكن عموماً وسواءً أكان ذلك بالتخطيط أو بدونه، فقد حققت المرأة في مجتمعنا إنجازات عالية في فترة تعد وجيزة في عمر الشعوب، على رغم شح الفرص وقلة الخيارات. هل بدأت الفتاة السعودية تتخذ مساراً تقدمياً؟ - هذا مؤكد، فنحن نلمس في الجيل الحالي من الشابات قوة الشخصية والطموح والمهارة، والإنجاز العالي، ومن الملفت اهتمام الشابات السعوديات بالعمل التطوعي والذي يعد وسيلة متقدمة ليس لخدمة المجتمع وحسب، وإنما لبناء القدرات الذاتية. كذلك نلاحظ التوسع الحاصل في المشاريع الاستثمارية الصغيرة التي تمتلكها وتديرها شابات سعوديات بمهارة عالية وأساليب إبداعية مبتكرة، تنم عن تحول ثقافي وفكري لدى المرأة السعودية ولدى المجتمع ككل حيال عمل المرأة ودورها في المجتمع. التحولات المجتمعية كيف تنظرين لهذه التحولات المجتمعية؟ - التحولات التي يشهدها مجتمعنا، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة، هي في الغالب انعكاس لسياسة الدولة التي أولت اهتماماً لتعليم المرأة، وتوجهت أخيراً وبشكل واضح لتفعيل دورها القيادي، وتمكينها من المشاركة في مواقع القرار. لذلك أجزم أننا نشهد اليوم مرحلة مختلفة في بلادنا، مرحلة يصنع فيها التغيير على مختلف الأصعدة التنموية بحكمة، ولكننا نتطلع لمزيد من الحراك في هذا الاتجاه، فالمواطنة السعودية تمتلك من الكفاءة والقدرة ما يؤهلها لأدوار أوسع في المجتمع. ونحن كمجتمع مسؤولون عن رعاية أحلام وتطلعات الجيل القادم من الشابات الطموحات وتوجيهها، فالفتيات اليوم يحملن أحلاماً مختلفة وطموحات بعيدة، تعكس واقع الانفتاح الإعلامي والمعلوماتية الذي نعيشه في المجتمع، وإذا لم نستشرف متغيرات المستقبل فلن نملك التأثير أو السيطرة على مجرياته أو توجيهه وفق رؤيتنا. ما الذي له التأثير الأكبر بصنع هوية المرأة السعودية؟ - هوية الإنسان رجلاً كان أم امرأة، مرتبطة بإرثه الحضاري والعمق الذي تمتد إليه جذوره في تراب وطنه. برأيي لا يمكن أن ينسلخ الإنسان من نفسه، أنا أرى ذاتي في جدي وجدتي وفي العادات والتقاليد والممارسات التي تستحضر ذكراهم الغالية في نفسي، وفي الوقت ذاته الإنسان روح حرة وفكر مستنير. فالأصالة والعراقة لا تتعارض مع مد جسور التواصل والانفتاح الحضاري على الآخرين، فالهوية مزيج من عقيدة وتراث وفكر متجدد، بتجدد الكون الرحيب الذي نعيش فيه. من خلال إدارتك لمنشأة تتعلق بالتدريب، ما مدى التقدم الذي حققته الموظفة السعودية؟ - خلال ما يقارب 30 عاماً التي تمثل عمر الفرع النسائي لمعهد الإدارة العامة، لمسنا فيها تقدم الموظفة السعودية وتوسع دورها وتغيره. والمتأمل في مسيرة نشاط التدريب الموجه للقطاعات النسائية يجد أن هذا النشاط مر بمراحل مختلفة بحسب تطور إسهام المرأة في التنمية، فحين كان التركيز في البداية على التدريب قبل الخدمة، أي برامج التأهيل وما يسمى في المعهد البرامج الإعدادية، تحول التركيز في مرحلة لاحقة إلى البرامج التدريبية على رأس العمل وخصوصاً في وظائف الإدارة التنفيذية والوسطى. ومع اتساع الدور الذي تقوم به النساء في المنظمات، اتساعاً أفقيا ورأسياً، بمعنى أنهن يمارسن مهاماً متنوعة، ويعملن في مواقع تنظيمية عالية نسبياً، اتسع نشاط التدريب ليشمل وظائف الإدارة العليا نظراً لتزايد النساء في المواقع القيادية. وحالياً ينفذ بالفرع النسوي كل عام أكثر من 150 برنامجاً تدريبياً في مختلف المجالات الإدارية والعلوم ذات العلاقة، ويلتحق بها حوالى 4000 موظفة. وهذا يدل على تقدم الموظفة السعودية ومكانتها كجزء لا يتجزأ من منظومة العمل الحكومي. هل هناك اهتمام بالتدريب على مستوى القطاعات الحكومية؟ - هناك اهتمام متزايد من الموظفات وجهات العمل بالتدريب، إلا أن هذا الاهتمام يتفاوت من مؤسسة لأخرى. فبعض المؤسسات تمتلك استراتيجيات متقدمة لتطوير الموارد البشرية لديها من نساء أو رجال، فتضع مسارات للتدريب لكل فئة من العاملين، وتقوم بالترشيح للتدريب بشكل مدروس، بحيث ترشح الموظفة على البرنامج التدريبي المناسب، وهذا ينعكس على وعي الموظفة واختياراتها وتطلعاتها المهنية، وعلى تدرجها الوظيفي. لكن لاشك أن الوضع مختلف في كثير من المنظمات والتي تتسم عملية التدريب فيها بدرجة من العشوائية وتفتقر فيها القطاعات النسائية إلى الصلاحيات والإمكانات والدعم الإداري والرؤية الواضحة حيال خيارات التدريب. برامج التطوير والتدريب هل يتم توجيهها لصناع القرار قبل الموظفين؟ - التطوير الإداري مفهوم شامل لا يقتصر على تدريب الموظفين، وإنما يشير إلى توجه استراتيجي لتطوير جميع عناصر المنظومة الإدارية من أنظمة وهياكل وأدوار وأفراد في مختلف المواقع الإدارية. ونحن في الفرع النسائي لمعهد الإدارة العامة نعي هذا المفهوم الشامل وندرك دور القيادات الإدارية في دفع عجلة التطوير التنظيمي، لذلك نطرح برامج تدريبية موجهة لتنمية القيادات الإدارية تسمى «البرامج العليا»، وننفذ حوالى 12 حلقة تطبيقية سنوياً، موجهة لتنمية المهارات القيادية لدى الموظفات على المرتبة الحادية عشر إلى المرتبة الثالثة عشر وما يعادلها، وهناك إقبال كبير من القيادات النسائية على الحلقات التطبيقية حتى أن البعض يأتي من مناطق بعيدة لحضور الحلقات التي ننفذها في الرياضوجدة والدمام، ويلتحق بهذه الحلقات سنوياً أكثر من مئتي متدربة. القيادات النسائية ماذا قدّم المعهد لأجل تأهيل كوادر قيادية نسائية ذات قدرة على الإبداع والتميز الإداري؟ - القيادات الإدارية في القطاعات النسائية أصبحت تمارس أدواراً استراتيجية هامة، ولم يعد دورها ينحصر في الإشراف على الجوانب التنفيذية، لذلك توجَه المعهد للتوسع في طرح البرامج العليا الموجهة لهذه القيادات. في هذا الإطار، نظّم المعهد ولأول مرة اجتماع طاولة مستديرة للقيادات النسائية في القطاعات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني بعنوان «التفكير الاستراتيجي للقيادات» في كانون الثاني (يناير) 2011، ويمثل هذا الحدث نقلة نوعية هامة في تاريخ المعهد، إذ تختلف اجتماعات الطاولة المستديرة عن الحلقات التطبيقية التي أشرت لها سابقاً من جوانب مختلفة، فهي موجهة لشاغلي المرتبة الرابعة عشرة وما يعادلها، وتنفذ عادة في يوم واحد من أحد الخبراء العالميين. كما يقوم المعهد بشكل دوري بتنظيم ندوات ولقاءات علمية لمناقشة العديد من القضايا الإدارية التي تهم القيادات وتتيح لها الفرصة لتبادل الرأي والاطلاع والاستفادة. احتفل المعهد أخيراً بمرور 50 عاماً على تأسيسه، والفرع النسوي يعد جزءاً من هذه الحفلة، كيف تقيمون هذه المسيرة، وكيف تعدون للمستقبل في الفرع النسوي؟ - باعتقادي أن إمكانات المعهد الكامنة أكبر من إنجازاته، وأن طموحاته وتطلعاته تفوق ما حقق خلال الخمسين عاماً الماضية، ونحن نتطلع إلى أدوار ريادية للمعهد تتعدى الحدود التقليدية لنشاطاته، وتنطلق نحو آفاق جديدة تصاغ فيها أدوار جديدة وإبداعية، يواكب بها المعهد الحراك العالمي لتجديد منظومة الفكر الإداري في عالمنا العربي. ونحن في الفرع النسوي نعد دائماً للمستقبل، حالياً يجري العمل في مشروع المبنى الجديد للفرع النسائي في الرياض وسينتهي العمل فيه قريباً بإذن الله تعالى، وهذا سيسهم - بإذن الله - في تطوير جميع نشاطات الفرع النسوي، كما نعمل على استقطاب وتأهيل الكوادر الشابة في مختلف المجالات الإدارية، ولهذا الغرض وضع المعهد برنامجاً طموحاً لابتعاث أعضاء هيئة التدريب للخارج للدراسة العليا، ما سيسهم بإذن الله في إحداث نقلة نوعية في جميع نشاطات الفرع النسائي. الحوار الوطني بعيداً عن العمل في معهد الإدارة العامة، ومن خلال تعاونك مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، هل ترين بأن لقاءات الحوار الوطني أحدثت فرقاً في تفكير الإنسان السعودي؟ - بالتأكيد أحدث فرقاً ولكن في تفكير الإنسان الذي شارك في لقاءات وفعاليات الحوار. فهو مشروع حضاري يستحق الإشادة، وأنا أعتز بمشاركتي في اللقاء الثالث والذي ناقش حقوق المرأة وواجباتها. ولكن ما يحدث خارج قاعة الحوار قد يكون أكثر أهمية مما يجري بداخلها، لأن انتقال الحوار إلى دوائر أوسع في وسائل الإعلام ومن خلال أعمدة المفكرين والكتاب وحتى في المجالس العامة، أهم من إجراء حوار مقنن بإطار مفاهيمي وزمني وجغرافي. وقد نجح مشروع الحوار الوطني في كسر الحواجز التقليدية في تناول العديد من القضايا الفكرية، وأكاد أجزم أننا نستطيع بتطبيق منهج الحوار، مناقشة أكثر قضايانا حساسية وتعقيداً، وأن نتجاوز اختلافاتنا الفكرية التي تفرقنا، ونكتشف نقاط التقائنا كأبناء وطن واحد يربطهم حب الوطن والانتماء إليه. هل ترين أن هناك اهتماماً بالجودة والتميز في الأجهزة الحكومية في المملكة؟ وهل يعد الحصول على شهادات الجودة - كالأيزو مثلا - مؤشراً على تحقيق الجودة؟ - تزايد الاهتمام بإدارة الجودة، والآن معظم المؤسسات الحكومية والخاصة لديها وحدات إدارية معنية بالجودة، وأصبحت كلمة «جودة» كلمة ذات رنين وبريق، إلا أن التطبيق الفعلي للجودة لم يرقَ إلى مستوى الاهتمام والضجيج الذي أحاط بهذا المفهوم الإداري، وتعثر التطبيق بشكل كبير، إلا فيما ندر، فنجد في بعض الأحيان أن تطبيق الجودة لم يتعد الأخذ بالشعارات والقشور من دون إجراء تغيير فعلي في الممارسات والقناعات. و لا يزال كثير من المنظمات يعمل وفق ذهنية «الإدارة السلفية»، أي «خير خلف لخير سلف»، أو بتعبير آخر «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»، و «الله لا يغير علينا». ولكي نتمكن من تحقيق الجودة لابد أن تكون هناك رغبة حقيقية في التغيير، وليس مجرد اندفاع وراء شعارات ومفاهيم جديدة أو بهدف الحصول على شهادات الاعتماد، لأن هذه الشهادات لا تضمن في الواقع تحقيق الجودة ورضا العملاء. صعوبات إدارية كنتِ أول امرأة تدخل مجلس إدارة الجمعية السعودية للإدارة، ما الذي حققته هذه العضوية؟ وما هي الصعوبات؟ - دخول المرأة لمجلس إدارة الجمعية السعودية للإدارة في العام 2003، تزامن مع فترة مميزة في تاريخ الجمعية والتي كان لها نشاط بارز في جميع مناطق المملكة، وقد سبقت جميع الجمعيات العلمية إلى إتاحة الفرصة للمرأة للترشح لعضوية مجلس إدارتها، كنا حينها نعمل بروح الفريق، تشاركنا في الرؤى والعمل وفي الإنجاز، وكان الجانب النسائي محركاً للجمعية ككل. نجحت الجمعية في تأسيس شبكة كبيرة على مستوى الوطن من المهتمات بالإدارة، يجتمعن في الملتقيات والفعاليات التي تنظمها، وقدمت العديد من النماذج القيادية النسائية الفاعلة على مستوى دول الخليج، لتطرح رؤى مسؤولة طموحة شفافة متوازنة، تسهم في التوعية بأهمية مشاركة المرأة في التنمية المجتمعية. الصعوبات أن المرأة أحياناً تعمل أضعاف شقيقها الرجل، لتحصل على قدر مماثل من الصلاحيات والتأثير والنفوذ، فالعلاقات الشخصية والمصالح الخاصة تطغى على المهنية أحياناً، من جهة أخرى العمل التطوعي يفتقر إلى آليات العمل المؤسسي، ومع الوقت وكثرة المشاغل تصبح الاستمرارية تحدياً كبيراً. هل ترين أن المرأة السعودية لا تزال قاصرة عن الوصول لمناصب صنع القرار؟ - وصول المرأة لمواقع القرار هو انعكاس لإرادة المجتمع ورؤى صانعي السياسات، وعلى الرغم من أن كثيراً من النساء يمارسن العمل الإداري منذ سنوات، إلا أن المواقع الإدارية التي يتمركزن فيها، هي غالباً مواقع محدودة التأثير وقليلة الصلاحيات، كالإدارات الوسطى والتنفيذية، والتي يغلب عليها طابع العمل الروتيني والتنفيذي، بدلاً من المواقع الاستراتيجية التي تملك صنع القرار والتأثير في توجيه المنظمة، وتحقيق تطلعاتها الاستراتيجية. وقد أظهرت دراسة حديثة أجريناها في معهد الإدارة العامة، توافر درجات عالية من التأهيل والخبرة الوظيفية لدى القيادات النسائية في المملكة، وبالتالي المسألة ليست قصوراً لدى المرأة السعودية، ولكن قد يكون القصور في الفرص والظروف المناسبة. وأظهرت هذه الدراسة أن المرأة السعودية في المواقع القيادية تواجه العديد من التحديات، وتحتاج إلى التمكين الإداري من خلال امتلاك الصلاحيات والمعلومات، والمشاركة في صنع القرار واكتساب المهارات الإدارية والقيادية. كما وجدت أن التحديات التي تواجهها القيادات حالياً تختلف وتقل حدةً عما كانت تواجهه قبل عشر سنوات، دلالة على أن سياسة خادم الحرمين الداعية لتمكين المرأة، وتوجهاته الداعمة لها، أسهمت في توسيع مساحة مشاركة المرأة في صنع القرار. المواقع القيادية ماهي المواقع القيادية أو القرارات المجتمعية التي ينبغي أن تشارك المرأة في صنعها؟ - المرأة معنية بجميع هموم المجتمع، ولا يمكن تصور أن مشاركتها في صنع القرار ستنحصر في القضايا التي تعني المرأة وحسب. فالمرأة لا تعيش في كوكب مستقل بمفردها، هي جزء من المجتمع، تتأثر بجميع المتغيرات التي تؤثر فيه. لذلك لا توجد قضاياً تهم المرأة فقط وأخرى تهم الرجل، فالمرأة معنية بالتعليم والصحة والاقتصاد والبيئة والأمن والتنمية الإدارية، وبأداء القطاعات الحكومية والخاصة من بنوك ومستشفيات وغرف تجارية وجامعات ومحاكم وقطاعات أمنية، وبالبحث العلمي وبجميع الأنظمة والتشريعات، النساء شقائق الرجال، والمفترض أن يتشاركوا في بناء المجتمع وتقرير مصيره وصنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ينظر البعض للمرأة في المواقع القيادية وفق صورة سلبية نمطية، تعتبرها غير قادرة على القيادة مقارنة بالرجل، هل يعد ذلك عائقاً أمام القيادات النسائية؟ - الصور النمطية بدأت تتلاشى إلى حد ما مع نجاح النساء في مواقع عديدة، ولكن لا تزال هناك بقايا لهذه الصور في بعض الأوساط والتي تفترض أن المرأة غير قادرة على اتخاذ قرارات موضوعية، وأنها أقل جدية والتزاماً من شقيقها الرجل، وهذه الصور النمطية ليست حكراً على الثقافة العربية. إذ تشير الأدبيات الغربية إلى مايعرف ب (Old Boys Network) وهي الذهنية التقليدية التي تسيطر على بعض متخذي القرار والتي لا تؤمن بقدرات المرأة وتقصيها وتحد من مشاركتها الفعلية في صنع القرار، وأنا شخصياً أميل إلى عدم التركيز على السلبيات، ولا أنشغل كثيراً بالاعتقادات السائدة حول صراع وهمي أو مفتعل بين الرجال والنساء يجعلنا في حالة دفاع مستمر، ويشغلنا عن القيام بإنجازات حقيقية. ما أبرز ما تفتقر إليه المرأة لتطوير قدراتها في العمل الإداري عندنا؟ - تفتقر المرأة في مجتمعنا إلى فرصة التعلم من خلال القدوة أو الاحتكاك والتوجيه والإرشاد بسبب قلة النماذج القيادية، وحداثة انخراط المرأة في العمل القيادي والعزلة والحواجز الثقافية والاجتماعية التي تحصرها في دوائر معينة. كما لا تساعد أنظمة تقويم الأداء الوظيفي على التعلم وتطوير الذات، بسبب عدم توافر التغذية المرتدة حول أداء القيادات، ولا يزال الاهتمام بتنمية القيادات الإدارية وتطويرها من خلال التدريب الغير مؤسسي، بمعنى أن المنظمات غالباً لا تمتلك استراتيجيات موجهة وواضحة لتنمية القيادات سواء النسائية أو الرجالية، ولا تخطط لتهيئة وإحلال القيادات بشكل علمي مدروس، وإنما تترك الأمر للمصادفة وللمبادرة الذاتية. وعلى الرغم من هذه التحديات، نجد الكثير من النماذج القيادية النسائية الناجحة سواءً في القطاع الحكومي أو في مؤسسات الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، والتي نجحت في التغلب على هذه العوائق وتجاوزها. هل وراء كل امرأة عظيمة رجل؟ وألا تنجح المرأة إلا بوجود من يساندها ويدعم مسيرتها؟ وهل تساند مجتمعاتنا المرأة الناجحة؟ النجاح الفردي ممكن، لكن في الحقيقة لابد من الاعتراف أنه يصعب جداً في مجتمعاتنا العربية ً للمرأة أن تنجح مهنياً، وأن تحقق طموحاتها وأحلامها بمفردها، وخصوصاً إذا كانت أماً، فمسؤوليات الأمومة بحد ذاتها عظيمة، فكيف إذا اجتمعت معها الهموم والأعباء المهنية والطموحات العلمية. وفي ظل غياب الدعم المؤسسي يصعب فعلاً على المرأة الموازنة بين مسؤولياتها الأسرية وطموحاتها المهنية، وبعيداً عن البطولات والإنجازات الفردية، فالمرأة تحتاج للدعم المعنوي والتشجيع والمشاركة الوجدانية في الآمال والتطلعات، وتحمل هموم الكفاح والضغوط النفسية المترتبة على النجاح الذي لا يأتي سهلاً للمرأة، بل تدفع ثمنه مضاعفاً. صحيح أن المرأة تستطيع أن تنجح بمفردها، ولكن المشوار يصبح أكثر سهولة، وأكثر سعادة وبهجة وذا معنىً، إذا كان هناك من يشجعها، ويسعد لنجاحها، ويباركه على أقل تقدير. والمشوار بلا شك يكون مثقلاً بالمرارة إذا كان هناك من يحبط وينكد ويعرقل كل خطوة منه. و هذا الطموح، ألا يؤثر على أدوار مهمة للمرأة في حياتها؟ - الطموح ليس عيباً، والمرأة في المجتمع السعودي تحظى بمساندة وتشجيع كبيرين من محيطها... ولكن التحدي الأكبر يكمن عندما تتعارض الطموحات المهنية مع المسؤوليات الأسرية. وبغض النظر عن مستوى الطموح، ودرجة النبوغ، والفرص التي تعترض طريق المرأة في حياتها المهنية، فتقتنص البعض منها وتفوتُ الكثير، فحق المرأة وقدرتها على إكمال الدراسة، وخوض غمار العمل خارج المنزل، وجميع محطات مسيرتها المهنية، وحتى جرأتها على مجرد الحلم بالنجاحات المهنية، لا تتحقق لها تلقائياً، وإنما هي حصيلة معادلة صعبة، عناصرها - إضافة إلى النبوغ والعزيمة والجد - الدعم والتيسير من محيطها، والقدرة على الموازنة الصعبة بين طموحها وواجباتها الأسرية، وبعيداً عن صورة المرأة الخارقة «Super woman»، فإن المرأة في جميع أنحاء العالم لا تملك أن تحقق نجاحات مهنية بارزة، إلا بدرجات مضاعفة من الطموح والإصرار، وقدرة فائقة على التنظيم، وبرمجة الأولويات وإدارة الوقت، والكثير الكثير من التعب والبذل والسهر والتضحية والدعم والتشجيع. ما لذي تحلم «حنان الأحمدي « بتطويره؟ - الأحلام كثيرة... ولكن لعلنا نطور استخدامنا لمصطلح «تطوير»، فهو من أكثر المصطلحات التي يساء استخدامها وقياسها في ثقافتنا الإدارية.