كان لي موقف وهو من المواقف التي تحدث لأي شخص منا لكن نختلف في تلقيه ومواجهته، فبينما أنا أحضر إحدى الدورات كان يصدر صوت مزعج يعيق علي التركيز من الأخت التي بجانبي فطلبت منها الهدوء. ولكن وجدت نفسي أمام ردة فعل غير متوقعة منها وكان تصرفها نظرة وصمت وكأنها لم تسمعني عندها كعادتي جلست أفكر بما حدث وشعرت ببعض الارتباك والضيق فهمست لصديقتي المقربة والجالسة بجانبي ما حدث من صاحبة الصوت المزعج ولم أكتف بذكر الموقف مرة واحدة ولكن أعدت وأعدت وكررت ما حدث لأن من طبيعتي التدقيق في مثل هذه المواقف التي تترك أثراً في نفسي ولو بسيطاً، وصديقتي تستمع لي في كل مرة وفي النهاية قالت لي بكل عفوية وبساطة: (انسي ما حدث لأنه غير مهم) لماذا تسترجعينه، موقف وانتهى! (لا تهتمي من صاحبته).. هذه العبارة كان لها تأثير في نفسي وكأني أنتظرها فعلاً، موقف عابر وانتهى بوقته، وقتها وجدت تركيزي عاد مع الأستاذ، وجدت يومي مر بسعادة دون أن أعكر صفو مزاجي بموقف ليس له أهمية. إن هذا النهج في حياة هذه الصديقة جعلني لا أطيل التفكير بأي شيء يعكر صفو يومي ولا أقف على مواقف الأسى بل أسترجع المواقف الجميلة التي تجذب لي السعادة. البشر مختلفون في الشخصيات والقياس والتعامل والتلقي والاستجابة، واستحضارك لذلك يجعلك متفهماً لما يصدر منهم من تصرفات. إن ما يجعلك مستريحاً هو أن تغير من نوع تفكيرك وتبتعد عن كل ما يثقلك ويكون عبئاً عليك، فليس كل ما تعتقده رائعاً بالفعل، غيّر من طباعك ما تخاف منه واجهه حتى تعتاد عليه، لا تجيد فن الاستماع إذاً تعلمْ على حسن الإنصات، مندفع إذاً دربْ نفسك على الصبر.. لديك صعوبة في الاندماج مع الناس؟ غيّر من أشخاص لا تجد نفسك بصحبتهم، واعلم أن عليك أن لا تحرص على أن تكون على حق ولا أن تكسب جدالاً لتثبت لهم أمراً ما، بل ابتعد عن أي جدال لا هدف له ولا فائدة. إن من أهم عوامل بناء وهدم الذات (العلاقات) الأشخاص الذين تقضي معهم أطول وقت إذا صاحبت العظماء أصبحت عظيماً وإذا صاحبت الفاشلين المحبطين تصبح فاشلاً، هناك مقولة جميلة تقول: (اسكن في حقيبة ناجح سيحملك معه أينما ذهب). إن ما يجعلك مستريحاً أن تفعل ما تشعر به وحسب.. بادر إن المبادرات البسيطة تصنع الفروقات العظيمة كأن تحضر كوباً من القهوة لنفسك، هذا الكوب سيصنع فارقاً في مزاجك، فمن يختار أن يحب نفسه ويعرف كيف يسعدها في أبسط الأمور هذا يعني أن تختار لها أفضل حياة. الأهم من ذلك كيف أحافظ على هذه النفس وأحميها من الأذى سواء كان هذا الأذى كلمة جارحة أو موقفاً صعباً أو ظروفاً ومشاكل حياة، نجده في القرآن الكريم فهو يشير إلى هذه الوقاية في سورة الحجر: « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)»، وفي أواخر سورة طه : فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [ طه: 130] * مكتبة الملك فهد الوطنية