إن من نعم الله عز وجل علينا أن أرسل إلينا أفضل رسله وشرع لنا من الدين أيسره وجعلنا أمةً وسطاً بين الأمم قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (143) سورة البقرة والدعوة إلى الله من أعظم القربات وأجل الطاعات رغب الله عباده فيها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت. لما لها من أثر عظيم على الفرد والمجتمع ، فقد أرسل الله رسله لدعوة الناس بالرفق واللين أمر بها نبينا صلى الله عليه وسلم (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (النحل 125) وأمر بها من اتخذ نحج النبيين سبلاً، فقال: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (104) سورة آل عمران الدعاة مطالبين بالتبليغ والبيان لأن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (256) سورة البقرة. وقال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (12) سورة التغابن. كما قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (56) سورة القصص. وحدد الله منهج الدعوة، قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (125) سورة النحل وذلك عبر ثلاث محاور أساسية هي الحكمة لما بلغ الله به رسوله والموعظة الحسنة كما ورد في الكتاب والسنة من أوامر ونواهٍ وأخيراً يكون الجدال بلين الجانب والأسلوب الحسن، كما أمر الله عز وجل به نبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (44) سورة طه والدعوة إلى الله تختلف من حال إلى حال وبحسب المقام يقول الإمام ابن الجوزية في تفسير قوله تعالى:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ} (125) سورة النحل ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو: فإنه إما يكون طالبً للحق محباً له، مؤثراً له على غيره إذا عرفه فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال. وأما أن يكون مشتغلاً بضد الحق، لكن لو عرفه آثره واتبعه فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب. وأما أن يكون معانداً معارضاً، فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن . انتهى. كما جاء الهدي النبوي الشريف ببيان الكثير من أحكام الدعوة وبين لنا آداب الدعاة والمصلحين، فغرست في نفس الداعية إلى الله الإخلاص فيما يبذل وأنه لا يبتغي الأجر إلا من الله عز وجل، قاصداً هداية الناس وحب الخير لهم وإرشادهم لنفع أنفسهم في أمر دينهم ودنياهم ناصحاً لهما بما اؤتمن من الحق متأسياً بالأنبياء والرسل مع أقوامهم قال تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (68) سورة الأعراف. على الداعية إلى الله أن يبدأ بنفسه فيكون قدوة للآخرين فقد عاب الله من يقول ولا يفعل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) سورة الصف. متحصناً بسلاح العلم. ومنهاج الإسلام في الدعوة منهاج الوسط والاعتدال، وعدم المشقة والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم تزخر بكثير من المواقف الدالة على ذلك فقد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وقد سار على هذا الهدي من بعد خلفاؤه الراشدون فأكملوا المسيرة ونشروا الدين فدخل الناس في دين الله أفواجا لما لمسوا من سماحة هذا الدين المتمثل في أخلاق ومعاملات أتباعه فيما بينهم وبين الآخرين. *جدة