القران الكريم كمنهج شامل يرسم لنا مسارات القيم الاجتماعية الأصيلة والشيم التربوية الفضيلة في خارطة الحياة عامة، فقد دعا إلى الكلمة الطيبة والعبارات اللطيفة في مواضع عدة تؤكد أهمية التحلي والتمسك بهذا النهج الأخلاقي القويم في حياة الناس عامة، فالتحدث مع الآخرين برقي وأدب وخلق رفيع من أهم صفات الرسل والأنبياء والنبلاء، قال الله تعالى مادحاً الكلام الطيب وأثره في النفوس والوجدان ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)24 ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) 26 (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) 27(.سورة إبراهيم:24، في هذه الآيات الكريمة يشبه الله سبحانه وتعالى «الكلام الطيب» بالشجرة الطيبة المثمرة التي يستفيد منها الناس من ثمرها ورائحتها الزكية، في حين أن «الكلمة الخبيثة» شبهها القرآن بالشجرة الخبيثة التي يجب أن تجتث من فوق الأرض وتمحى آثارها السيئة كي لا تضر الإنسان والبيئة، ومن هذا المنطلق نجد أن الكلمة الطيبة والأسلوب اللين بعباراته اللطيفة لها آثار نفسية واجتماعية وصحية ودينية فهي مفتاح القلوب وتذكرة المرور والقبول.. تقرب النفوس وتزيل الغضب، وترفع هرمون الحب في القلب.. ولا يترجم مشاعر الحب إلا الكلمة الطيبة والأسلوب الأمثل في التعامل والتفاعل مع الآخرين خاصة إذا صاحبها ابتسامة صادقة بيضاء تسر الناظرين، ومن آثارها العظيمة أيضاً أنها صدقة وثواب، كما ورد عن النبي صلى الله وعليه وسلم (الكلمة الطيبة صدقة)، ويكفي أن الكلمة الطيبة تصعد للسماء فتفتح لها أبواب السماء وتقبل بإذن الله، انطلاقا من قوله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) سورة فاطر: 10 كما أنها أقرب إلى الإقناع والقبول وأثرها في النفس أوقع وأبلغ، وأما الكلمة الخبيثة فهي - لامناص - تلوث الأجواء الاجتماعية وتفسد القلوب وتغير النفوس، وتنشر فيروسات الحقد والحسد والكراهية، وتثير الأحزان والشحناء بين الناس كما أنها تساهم في خلخلة الروابط الإنسانية وتهدد العلاقات الاجتماعية، فما أروع المنهج القرآني العظيم وسياقه التربوي فقد علمنا.. القول اللين والموعظة الحسنة وطيب الكلام حتى مع «أخبث» البشر وهو ( فرعون) الذي أدعى الألوهية وتكبر في الأرض وقتل الأطفال وتجاوز الحد في الكفر والظلم ورغم ذلك بعث له الله عزوجل النبي موسى وأخاه هارون عليهما السلام في قوله تعالى(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) سورة طه:(44) أي خاطباه بالقول اللين وبالكلام الرقيق فمن شأن الكلام السهل اللطيف يوقض القلب للتذكير ومراجعة الذات. في ميزان التعامل الاجتماعي في قالبه الوجداني.. الكلمة الطيبة وما تحدثه قد يظل الفرد يوما بأكمله سعيداً بكلمة، والعكس كلمة قد تقلب يومه رأسا على عقب وتعكر مزاجه..!! كلمة قد تعيد الحياة لشخص، وقد تنهي حياته في لحظات..!! وبحسب معطيات علم الاجتماع التربوي هناك قيمة تربوية سامية تسمى (جبر الخواطر).. فالعطاء ليس ماديا فقط..! بل العطاء الحقيقي (المعنوي) الذي يمتد أثره مع الزمن كالكلمة الطيبة والألفاظ الحسنة.. على النفس والروح التي هي أغلى من المال..! باحث اجتماعي*