تتيح لنا الحكايات الشعبية الارتحال إلى عوالم خيالية والدخول إلى مدن عجيبة لا توجد في الواقع أو لا يمكن الوصول إليها بسهولة، فدائماً ما تكون هناك مدن تسكنها كائنات عجيبة أو تسيطر عليها فئات بشرية غريبة، كالعيارين واللصوص والسحرة والمشعوذين وغيرهم، ومن الفئات الغريبة التي تحظى حكاياتها باهتمام المتلقين، وتقول إحدى الحكايات بأن لهم مدناً يعيشون فيها: فئة العائنين، أو أصحاب «العيون اللي ما صلّت على النبي»، فحكاياتهم ذات شعبية واسعة لدى عامة الناس، وتجد من القبول والتداول مثلما تجد حكايات الجن والغيلان وحكايات الأبطال الشعبيين، لكن نصيبها من اهتمام المدوّنين يبدو نصيباً ضئيلاً. العائن في مجتمعنا كالبخيل الذي لا يعترف بسهولة بصفته الذميمة ويحاول قدر المستطاع سترها، وربما أدّى إنكار وتخفّي العائنين إلى التوهم بأنهم فئة قليلة لا تأثير لها في المجتمع، لكن الحكايات الشعبية تؤكد لنا غير ذلك، فحكاية: (كسر عين الحاسد)، التي أوردها الأستاذ عبده خال في أساطيره، تحكي عن مدينة تشتهر «برجالها المعينين» الذين يجتمعون ويمحقون بأعينهم تجارة أي تاجرٍ غريب، وهي حكاية سنعود إليها لاحقاً. ويذكر الأستاذ سليمان الطامي، الذي يعد أبرز مدوني حكايات العائنين، أن تدوينه لهذا النوع من الحكايات يأتي استجابة لرغبة القراء، يقول في الجزء الثاني من سلسلة (سواليف المجالس): «طلب مني قراء مؤلفاتي أن يكون للعائنين نصيب من السواليف لما فيها من المتعة وفي نفس الوقت الحذر منهم ومن عيونهم». ويركز في تقديمه لحكاياتهم في الجزء الحادي عشر على عنصر الطرافة فيقول: «هذه بعض من طرائف العائنين وقد سبق أن قدمت شيئاً منها.. وفيما يلي مزيد من طرائف العائنين». الهدف من تدوين حكايات العائنين هدفٌ مزدوج: (الإمتاع) و(التحذير)، والوظيفة الإمتاعية مُقدّمة دائماً على الوعظية في الحكايات الشعبية، وأبرز أساليب الإمتاع في سرد حكايات العائنين إبراز طرافة العبارات «المسمومة» التي ينطقون بها قبل إصابة أهدافهم، فهم يستعملون عبارات بليغة تخفي وراءها الحسد والشر. فأحد العائنين وصف تجدّد صديقه الذي تقدّم في العمر من دون أن تظهر عليه علامات الكِبر فقال: «مثل صاروخ الفضاء كلما ابتعد عن الأرض انسلخ منه قطعة»، وقد نجا الصديق من العين لأنه سارع للارتماء في أحضان العائن طالباً منه ذكر الله. عائن آخر سأله صديقه عن كثرة إخوته من الرضاع فقال: « ثدي أمي مثل برادة المسجد من خرج شرب منها»، فأصيبت أمّه بآلام شديدة لم تتوقف إلا باستئصال ثديها. وتؤكد أغلب الحكايات على أن أكثر الناس معرفة بالعائنين وتعرّضاً لخطر أعينهم هم المقربون منهم، فأحد العائنين أرسل ابنه الصغير لإحضار القهوة للضيوف، وقال واصفاً طاعته: «ابني هذا مثل عصا الأعمى، دائماً تحت قدميه». فسقط الابن مباشرة وكُسرت ساقه. وفي حكاية عنوانها (عائن يصيب نفسه) أن عائناً كبيراً في السن أراد الزواج فسأله أحدهم عن استطاعته فأجاب: «أنا مثل مدفع الحرب: يسحب بواسطة عربة وقذفه يصل عشرات الكيلوات»، فأصيب بالعجز! وللحديث عن حكايات العائنين بقية..