لكل مجتمع عاداته وتقاليده ولكل شعب طبائعه ومعتقداته التي قد تكون مستنكرة أو غير مفهومة لدى المجتمعات والشعوب الأخرى، مما يجعلها مادة دسمة تغذي المواد الإعلامية والبرامج الثقافية والوثائقية التي تستعرضها القنوات الفضائية وتجذب اهتمام وإعجاب مشاهديها إليها. طرائف الشعوب وعاداتهم هي أكثر المواد إغراء للبحث والتساؤل وأدعاها للتسلية. ولو تساءلنا عن طرائف المجتمع السعودي التي هي جزء من تكوينه الثقافي وموروثه الحضاري، والتي يتشبع بها المجتمع جيلا بعد جيل دون أن تخف حدتها أو تخبو لوجدنا أهمها هو إيمانه العميق بالعين وتخوفه منها وطرق مكافحته لها! العين حق ولا يوجد مجتمع لا يؤمن بها وإن اختلفت أشكالها وطرق اعتقاد الناس بها أو تجنبهم لسهامها القاتلة. لكني أعتقد بأن السعوديين قد تميزوا عن غيرهم في طرق اتقائهم لها ، والتي تكاد أن تكون من أكثر طرائفهم ولو خصص لها برنامج وثائقي لكان الأنجح والأكثر جذبا للمشاهدين في كل أنحاء العالم. والتي تتمركز في مبدأها على طرق أخذ الأثر من العائن لإبطال أثر عينه وملاحقتهم له لتصيده والفوز بأي شيء من أثره. ذكرت لي إحدى الصديقات قصة قريبة لها تؤمن بالعين وتخشاها لحد المرض. ابتكرت هي وعائلتها طريقة لتجنب آثارها فخصصت برّاداً (فريزر) لجمع الأثر تقوم فيه بأخذ أثر وبقايا أي شخص يزورها رجلا كان أو امرأة ثم تغسله وتحتفظ بمائه داخل مخزنها القومي بعد أن تكتب عليه أثر فلان وتحتفظ به مجمدا ما امتد بها الزمان في حال احتاجت لهذا الأثر أو احتاج إليه عزيز عليها فإنها تمده به دون أن يطالهم عناء البحث عنه وتحين الفرص لأخذ شيء منه في حال شكهم فيه واعتقادهم بأنه المتسبب بما ألمّ بهم من خطب أو مرض. وليس هنالك ما هو أبشع من أن يطلق أحدهم عليك مازحا أو متعمدا إشاعة بأنك إنسان (نظول) أي عينك حارة في مجتمع شديد الحساسية والتأثر والتصديق مثل المجتمع السعودي حتى تنقلب حالك إلى أمرين إما أن تتحاشاك الناس وتقاطعك في كل جملة ناهرة أو مستجدية بأن تذكر اسم الله وتقول (ما شاء الله) أو أن تفاجئك بتودد عجيب وتصر على دعوتك ولو على فنجان شاي أو قهوة ثم تتنكر لك أو أنها تتبعك في المسجد الذي تصلي فيه لتخرج باحثا عن حذائك فلا تجده أو تجده مبللا بالماء بعد أن غسله أحد المتصيدين وأعاده إلى مكانه بكل أمانه وأنت تستعجب وتتساءل من أين جاء لحذائك هذا البلل والجو صحو ولا مجال فيه للبلل! وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل إنه يتعداه إلى ما هو الآن بمثابة العرف السائد لدى المقهويات أو المقهويين ممن يستعين بهم الناس لإعداد القهوة والشاي في الولائم والأعراس حيث يقومون بجمع الماء الذي غسلت به جميع أكواب وفناجين المدعوين (الغسال) بكل ما خالطه من لعاب وجراثيم ويقدمونه لأصحاب الوليمة أو العرس ليحتفظوا به في حال أصاب ابناً لهم أو ابنة سهمٌ من عائن أو ليغتسلوا به مسبقا كوقاية وحماية، بل إن الأمر قد يتعداه لدى البعض بأن يقوم المقهوي أو المقهوية بطلب مبلغ محدد لقاء جمع هذا السائل الثمين وبيعه! قصص كثيرة طريفة ومضحكة يبتكرها السعوديون ويتفننون في تطبيقها والتحايل على عوائقها .. ولو وَجدت مستغلا لها مسجلا لأحداثها وطرائفها لشكلت مادة دسمة مسلية لنا كسعوديين ولغيرنا من المجتمعات لما تحمله من إثارة وعاطفة وغرابة كفيلة بشد انتباه الكثيرين.