غزير الإنتاج، سارد مجنون، يمتاز بالفوضوية المنظمة، يتعاطى مع الإنسان، وقضاياه المؤرقة بمسحة سعودية، عاشق لعوالم السرد، محترف في سبر أغوار الشخصيات والتعاطي معها، إنه الروائي والقاص محمد المزيني الذي نتحاور معه عبر هذه السطور. * "مفارق العتمة" هي الرواية الأولى في حياتك الأدبية هناك من يقول إنها السيرة الذاتية لك، ما تعليقك؟ * ليست سيرة ذاتية بالمعنى الحرفي للمصطلح إنما هي سيرة للزمان والمكان اللذين وقعت فيه أحداث الرواية، كما أنها أيضا سيرة الشخوص وإن تداخلت جزئيا مع وقائع حدثت في زمن الراوي العليم وهو يظفرها مع بقية الأحداث الأخرى وهذه حيلة سردية يلجأ إليها كثير من الساردين. * في سجلك الأدبي العديد من العناوين التي تنوعت في المضمون مع إبداعك في تناول الإنسان في كل حالاته.. ماذا عن ذلك؟ * لا أعتسف شخصياتي ولا أحداثها فهي تأتي طبيعية جدا، أبدأ باختبار صلاحيتها لتكثيف معاناتها الوجودية والوجدانية، ومتى تحققت من اختلافها أشرع بكتابتها. * شددت قراءك في "إكليل الخلاص" وأنت ترتدي مئزر المحلل النفسي الذي يبعث الأمل بنهايتها السعيدة، ما الركائز التي تبني عليها أعماله؟ * أكليل الخلاص مختلفة تماما عن أعمالي الروائية الأخرى لأنني نوعت الشخصيات والأزمنة والأمكنة، سيلاحظ القارئ الحصيف أنها تشتمل على أكثر من حبكة، لذلك لا يمتد الزمان بشكل أفقي، إنما هي أزمنة متعددة، أيضا الشخوص هي من بيئات متنوعة منها الخليجية والعراقية والإيرانية والإنجليزية وتدور الأحداث بين الرياض ولندن ونورج، ورغم تعاسة شخوصها إلا أن ثمة أمل ينتاب كل واحد منهم، تركت النهاية كعادتي مفتوحة. * ما الرواية الأقرب إليك من مجمل الروايات التي دونتها منذ ولوجك عوالم هذا اللون الأدبي؟ * حالما انتهي من الرواية وأنشرها تخرج من عندي نهائيا ليتبناها الآخرون مع أنها كما ذكرت قريبة مني، وقد تركت وسما في مسيرتي الأدبية. * العمل على الحبكة المركبة في الرواية ليس سهلا، ومعظم أعمالك تتميز بهذا النوع من التشويق الذي تمنحه للقارئ، ماذا عن ذلك؟ * تعودنا مع كثير من الأعمال الروائية على الحبكة التصاعدية والبانورامية وقد جربت هذه الطريقة السردية في مفارق العتمة وعرق بلدي ثم عثرت على التحدي الأكبر وهو كما ذكرت الحبكة المركبة التي نجدها في كثير من الأعمال الغربية، فوجدتها تقنية سردية معبرة وذات بعد نفسي عميق، بدأت هذه التجربة مع أكليل الخلاص التي عند نشرها لم تصل إلى القراء وحتى النقاد الذين لم يتعودا على هذا النوع من السرد فأربكتهم قليلا، حتى تمعنوا فيها واكتشفوا حيلة الحبكة المركبة في الرواية، ألحقت هذه التجربة برواياتي التالية التي تعتمد هذه التقنية على الرغم من أنها مجهدة لكنها لذيذة لذلك أخذت مني ما يقرب من السنتين وأحيانا أكثر. * هل أنت من الأدباء الذين يوثقون للذاكرة الشعبية في كتابتهم؟ * معظم أعمالي الروائية مسكونة بالذاكرة الشعبية فمن مفارق العتمة، وعرق بلدي والطقاقة بخيتة، وثلاثية ضرب الرمل، التي شاهدها الناس في مسلسل درامي على قناة sbc السعودية خلال شهر رمضان المبارك قبل الماضي، كلها تغوص في عمق ذاكرة المجتمع السعودي. * هناك من يرى أن غزارة الإنتاج الأدبي تمثل نوعاً من الاستهجان باعتبار أن الكم الكبير يتعارض مع الجودة والإتقان؟ * ليس على الإطلاق وإلا لرأينا ضحالة في إنتاج نجيب محفوظ وكويلو وواسيني وغيرهم كثير، ويبقى المحك الأول والأخير هو القارئ الذي يميز بين الغث والسمين. محمد المزيني