لغط كبير رافق مسلسل "كسر عضم" الذي بُثّ خلال شهر رمضان محقِّقاً نجاحاً كبيراً، كونه – وعلى عادة المسلسلات السورية – يعتمد على نجوم الصف الأول في أغلب شخصياته، ومن النّادر أن تمنح أدوار ثانوية لكومبارس غير ذي خبرة. مخرجة العمل رشا شربتجي جمعت مع أستاذ النجوم فايز قزق، نجوم الدراما: نادين خوري، وكاريس بشار، ونادين تحسين بيك، وسامر إسماعيل، وخالد القيش، وآخرين. وصنعت نجومية ممثلين شباب تألقوا بشكل لافت بسبب إتقانهم لأدوارهم بشكل مدهش، أمثال: كريم الشعراني، ونانسي خوري. الإبداع في الأداء، والحبكة المتينة للقصّة، مع تفاصيل كشفت ما تخبئه كواليس الأنظمة الفاسدة، وهنا مربط الفرس. تم منع مشاهدة حلقات المسلسل التي كانت تبث عبر منصة يوتيوب، بالطبع يمكن مشاهدتها بسهولة إذا كان المشاهد مقيماً في أوروبا أو أميركا، أو عبر فضائيات معينة اشترت العمل، شرط أنْ لا تكون لبنانية، لأن القنوات اللبنانية ترى أن أي حدث سياسي أو خبر عاجل أهم من أي مسلسل، إذ يمكن أن تبث من المسلسل تسعاً وعشرين حلقة وتلغى الحلقة الأخيرة بسبب أحداث طارئة، وعلى المشاهد هنا أن يبحث عن نهاية مسلسله عبر روابط الشبكة العنكبوتية التي تتسابق في إثارة أعصابه، أو ينتظر انتهاء الحدث بعد عدة أيام فقد يرحمه قسم البرمجة ويبث حلقته الأخيرة ليعرف نهاية أحداثه. نمط الحياة الكاريكاتورية التي يعيشها اللبناني تنعكس حتى في وسائل إعلامه، فهو مثلاً يحفظ نشرة الأخبار غيباً لأنها تقريباً نفسها منذ ثلاثين سنة، ويعرف سلفاً النهايات المأساوية لأبطال الواقع كما لأبطال الدراما، لهذا كان علينا كمشاهدين أن نبتكر نهاية لمسلسل "كسر عضم" ونسلّم أمرنا لله. في المسلسل نفسه هناك صفعة ضخمة للإعلام اللبناني المأجور، الذي يبرع في صياغة الخبر ونقيضه، وفي تحويل الإشاعة حقيقة، والحقيقة وهماً. وهذا يفسّر عزوف فئة واسعة من اللبنانيين عن مشاهدة التلفزيون، إلا في مناسبات قليلة، مثل مناسبة الشهر الفضيل. الذي نعرفه والذي لا نعرفه عن عمليات التهريب اللاشرعية، وعن الفساد المنتشر بين رجال شرطة فاسدين، أمور أسهمت السينما الأميركية في تقديم أعمال بشأنها، لكن الأمر مختلف حين نشاهدها عبر عمل درامي عربي متقن مثل الذي قدمته شربتجي، وقد جاء كملخّص حقيقي لكل ما حدث على الصعيد السوري - اللبناني، وأثبت مرّة أخرى أن ما تعجز ترسانة من صنّاع الأخبار عن تحقيقه ينجح فيه الفن. وإن كانت الحرب التي شُنَّت على هذا العمل الدرامي ذهبت في اتجاه اتهامات بالسرقة بين كاتبين، فإن الحرب الحقيقية كانت على محتواه الذي شرّح الواقع بشجاعة قلّما نجدها في الأعمال الدرامية العربية. أمّا الذي نخلص إليه بعد عملية التشريح هذه، فهو بالتأكيد عودة الدراما السورية إلى الطليعة في سباق الدراما الرّمضاني، إذ لا عمل غيره لمس جراحنا ومثّلنا مثله.