الدول النفطية الحريصة على استقرار اقتصادها والتنمية المستدامة تلجأ إلى وضع رؤى واستراتيجيات طويلة الأجل لتنويع قاعدتها الاقتصادية وتنفذها بحرص وعناية في إطار سياسات مالية ونقدية ترفع الكفاءة الاقتصادية والمالية وتحسن الأداء في حدود ميزها التنافسية وما تمتلكه من مصادر طبيعية وقدرات بشرية وتقنية ومعرفية، وهو ما يؤدي الى استغلال الفوائض النفطية وقت ارتفاع الأسعار في استثمارات تدر عوائد مالية وتنوع الاقتصاد في ظل عدم اليقين والمخاطر إلى تتعرض لها أسواق النفط العالمية، كما أن تقلص الإيرادات النفطية وتقلباتها يضع هذه الدول أمام الأمر الواقع إما بتنويع اقتصادها ومواردها المالية غير نفطية على المدى الطويل أو تدهورها اقتصادياً ومالياً. فإن الانتقال من اقتصاد النفط إلى اقتصاد التنوع ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى تغييرات هيكلية وتحولات من مسار المصدر الواحد للاقتصاد إلى مسارات بمصادر متنوعة يدعم بعضها الآخر في حال تغير الظروف الاقتصادية العالمية إلى الأسوأ أو لمواصلة النمو نحو مستقبل أفضل. لذا إعادة هيكلة الاقتصاد لا يخلو من بعض الآثار السلبية على المدى القصير وأقل على المدى المتوسط وإيجابية أكبر على المدى الطويل، بعد اكتمال عملية إعادة الهيكلة وتكيف سلوك القطاع الخاص وسلوك المستهلك مع المعطيات الجديدة. فقد لاحظنا تاريخياً كيف يحرك نمو القطاع النفطي اقتصاديات الدول المنتجة للنفط من الدول النامية، حيث ينمو اقتصادها بخطى متسارعة لفترة من الزمن سواء كان لبضع سنوات أو عقد من الزمن قبل أن يواجه بعض التحديات، بينما نجد البلدان الصناعية والمنتجة للنفط التي يعتمد اقتصادها على قاعدة متنوعة من الاقتصاد تمزج بين الصناعة والتقنية والخدمات المتقدمة وتنويع الشركاء التجاريين، تحقق نمواً اقتصادياً أكثر استقراراً واستمراراً. وتؤكد البحوث العلمية أن زيادة صادرات الدول النامية يرتبط ارتباطاً إيجابياً بتحسن أدائها الاقتصادي وتدعم إجمالي الإنتاجية في الاقتصاد. كما أن التكوين السلعي للصادرات له تأثير إيجابي على العلاقة بين زيادة الصادرات والنمو الاقتصادي في الاقتصاديات النامية المتقدمة أيضاً. وبهذا يعزز تنويع مصادر الدخل مستوى الاستقرار الاقتصادي مع ارتفاع معدلات النمو بشكل تراكمي، فكلما ارتفع مستوى التنويع الاقتصادي في إطار نموذج المدخلات والمخرجات ارتفع مستوى الاستقرار الاقتصادي الممكن قياسه بالعوامل التالية: المتغيرات، والنمو السكاني، ومستوى الدخل الشخصي، ومعدل التوظيف. وتشكل رؤية المملكة 2030، نموذجاً لتنويع مزيج الاقتصاد من صناعات وقطاعات ومهارات عمالية وصادرات غير نفطية وبمنهجية أوسع نطاقاً لتنويع مصادر الدخل تتجاوز تنويع القاعدة الصناعية الحالية، حيث يتم النظر بشكل أعمق إلى كل عنصر اقتصادي بهدف تنويع الاقتصاد بطرق متعددة سواء كانت داخلية أو خارجية، وكوسيلة لتعزيز النمو والاستقرار من خلال زيادة الإنفاق الحكومي النوعي واستثمارات صندوق الاستثمارات العامة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ذات القيمة الاقتصادية المضافة.