يحتفل الممثل الكبير آل باتشينو بعيد مولده الثاني والثمانين وقبله احتفل الممثل الإنجليزي أنطوني هوبكينز بعيد مولده الرابع والثمانين ونجوميتهما ساطعة سطوع الشمس. أما الفنان كلينت إيستوود فقد بلغ الواحدة والتسعين منتصب القامة يمشي، سيرْكُل عامه الثاني والتسعين قريباً في نهاية شهر مايو. ثلاث عيّنات من نجوم السينما العالمية كسروا قانون "العرض والطلب" الذي تفرضه السوق. كان الفن ولا يزال قاعدة مهمة لكل خطوة يخطوها كل منهم. وقبل أي مقارنة نؤكّد أن ليس كل ما تنتجه السينما الغربية جيد. لكن لعلّ الخيارات متاحة هناك أكثر مما هي متاحة عندنا. كما أن نجوم العالم ليسوا جميعهم بهذه الشخصيات الفولاذية العجيبة، فالبعض أنهى حياته بشكل مأساوي لأن فرص ظهوره قلّت، والبعض الآخر لم يعد يحتمل الشيخوخة فابتعد تماماً عن الأضواء، لكن الأمر مختلف عندنا، إذ يبدأ النجم بالأفول بمجرد ظهور أولى خطوط الشيخوخة على وجهه. ثم يحال على التقاعد -إلاّ فيما ندر- ولا نعرف هل "قواعد السوق" هي التي تفرض ذلك أم هناك أسباباً أخرى؟ كتب الممثل اللبناني الكبير سمير شمص (79 عاماً) على صفحته فيسبوك ممتعضاً من الدراما اللبنانية لأنها تتحدث عن المخدرات والخيانة الزوجية وعصابات القتل والتهريب، مذيِّلا كلامه بصرخة: "أيها المنتجون ارتقوا بالفن اللبناني حفاظاً على ما تبقّى من أخلاق في هذا البلد المنكوب" وفي الحقيقة فإن ما كتبه شمص ينطبق على أغلب الأعمال الدرامية العربية التي ملأت الفضائيات في الشهر الفضيل، وإن استثنينا بعضها فسنجدها للأسف من نوع الكوميديا السخيفة القائمة على التهريج! ربما تكون هذه بعض الأسباب التي تجعل صنّاع الدراما يُبعدون كبار السن عن العمل، تفادياً لتعليقاتهم ونصائحهم، فالفن وفق المعطيات الجديدة لم يعد فنّا طلائعياً، يقود المجتمع ويرفعه ويرتقي به، بل أصبح يهبط السلم كل سنة عشرات الدرجات لترضى عليه الجماهير التي لا تنساق خلف كل شيء تافه. في بعض مقاهي بيروت، وفي عز التحضيرات للموسم الرّمضاني قبل أشهر يمكنك رؤية عدد من نجوم الدراما اللبنانية سابقاً، والعاطلين عن العمل حالياً، يحتسون فناجين القهوة ويسردون قصص المجد الذي لم يدم طويلاً. بعضهم رسخ في ذاكرتنا إلى الأبد بفخامة صوته، وروعة القائه، ولا يزال له سحره. يتناهى الصوت إلى ذاكرتك فيستيقظ حنين جارف لطفولتك وصباك وقد ملأتهما تلك الأصوات بالفرح والدروس الجميلة. تكاد تبكي حين تعود صورة المقهى أمام عينيك وأنت تتابع عملاً درامياً كله صراخ وضجيج وموت وقتل وخطف وسلخ، فتتساءل لماذا أحيل جيل بأكمله من أهل الفن على التقاعد باكراً؟ ولا جواب أمامك سوى أنّه "الفساد" الذي ضرب قطاع الثقافة والفن، ولأنّه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتهذيب الأخلاق، ستفهم وحدك لماذا انتشر الفساد في كل تفصيلات حياتنا من القاعدة إلى القمة.