ثمة أشياء وأماكن لها رونق خاص بها، لها أهمية كبيرة وتلعب دورا مهما وحيويا في المجتمع، خاصة في الأحياء القديمة، التي تتمتع باللحمة الاجتماعية بين سكانها التي افتقدناها مع معطيات الحياة العصرية. "المركاز" هذه المفردة أو التسمية التي تختلف من منطقة لأخرى في مملكتنا الحبيبة كان يعرفها الصغير والكبير.. خاصة لسكان المناطق القديمة "الأحياء" أو بالأصح "الحواري" لأنها ذات قيمة ودلالات كبيرة في الحياة الاجتماعية وذلك للأدوار الحيوية والمهمة التي تؤدى فيها.. فهو المكان الذي يجتمع فيه الكبار والشباب، أو نقطة التجمع لأهل "الحارة" وبتواجد وحضور حوله الصغار الذين يملؤون المكان حيوية وحياة بضجيجهم البريء بمختلف ألعابهم. وغالباً يقع "المركاز" بناصية الحارة أي يطل ويشرف على واجهات الحارة وعلى مداخلها ومخارجها.. وليس للمركاز دور واحد ينحصر في تجمع الشباب للتسامر وشرب المرطبات فقط، بل كان هناك سابقا أدوار عديدة يقام فيه حيث تتم فيه حل قضايا أهل الحارة وإصلاح ذات البين والمتخاصمين لأنه يضم شخصيات كبار الحارة أصحاب الهيبة والاحترام من قبل سكان الحارة أجمعين، كما يقوم "المركاز" مثل وكالة أنباء حيث يتم تداول أخبار الحارة وسكانها منها المفرحة وغيرها، وفيها أيضا يتم مساعدة الفقراء والأسرة التي فقدت عائلها.. كذلك يتم في المركاز اكتشاف الأصوات الجميلة وربما تحتضنها وتقدمها للمجتمع من خلال المركاز، لكن كل هذه الأدوار اختفت مع ظهور المؤسسات الحكومية التي تقوم بأدوارها على أكمل وجه وبعمل مؤسساتي ومدروس في خدمة المواطنين والمقيمين. المركاز يظل أحد الموروثات الشعبية المكتسبة عن الأجداد رغم تلاشيها ليس كليا إلا أن ذكرها الجميل قائم.. خاصة بعد اكتساح ظاهرة الكافيهات التي سحبت الشباب بقوة نحو الحداثة، تظل بعض المراكيز القليلة جداً وفيه مع بعض كبار السن أو مجموعة ضئيلة من الشباب خاصة في شهر رمضان المبارك الذي اعتاد فيه أهل المركاز إقامة عادة سنوية بتجميع أهل الحارة لتناول وجبة الإفطار أو السحور، والاستعداد لإقامة احتفالات العيد كمركز التقاء المهنئين.