البيئة وطبيعة المجتمع وحياته وعلاقاته وما يجابه الفرد في حياته من أفراح وأتراح ومصاعب، كلها تضع لتلك الحياة أولويات مهمة وضرورية، وأخرى هامشية أو مستبعدة تماماً، ولكل مجتمع بيئته وطريقة حياته. ومجتمعنا يعيش في بيئة ذات طبيعة هي إلى القسوة أقرب، وصعوباتها تغلب ميسراتها، وجفافها يزيد على رطوبتها ونداها، تعود ساكنها على التحمل وتتطلب منه أن يصادق. هذه البيئة والحياة بما فيها من مكونات، جعلت للإنسان رؤية يستمد منها نوع مشورته واختياراته ومصدره ومورده فهو يحس بالحاجة ويفتقر إلى المعاونة وهذه نعمة من الله تبني مجتمعاً مترابطاً فهو يحس بالحاجة، جسداً يحس بعضه بعضاً، ولا يعيش ممزقاً بالاستغناء متنافر الأعضاء، كما أفرزت تلك الحياة التبصر في الكثير من القيم ليهتم المجتمع بها ويجعل منها عناوين عريضة مهمة، مثل عنوان الكرم والتضحية وعنوان الجوار وعنوان الصديق والرفيق.. إلخ. فليس هناك أب أو أم ولا شاعر ولا كاتب أغفل التنبيه عن أهمية الصديق والرفيق. كما أن المجتمع قديماً وحديثاً جعل للصديق النصيب الأكبر من الاهتمام من حيث الوصية باختياره واختباره والوفاء له وحفظ العهد والود بينه وبين من اتخذه صديقاً له. وهذا الاهتمام الكبير لم يأت من فراغ، ولم يوجد فجأة وفي عصر محدد وزمن محدود، ولكنه كان من ضمن ثقافة المجتمع منذ القديم وجزء من عناصرها المهمة. والشعراء تناولوا هذا الجانب بكثرة وأسهبوا فيه، وقل أن نجد شاعراً أغفله، وهذا أمر طبيعي فإحساس الشاعر وشعوره قد وظفه تلقائياً للتعبير بما يعزز القيم النبيلة. وقد فصل الشعراء في أنواع الأصدقاء وعددوا الكثير من أنواعهم، ما بين صديق الرخاء وصديق الشدائد، وصديق المصلحة وصديق التسلية، وصديق مؤقت وصديق دائم، وأيضاً رفاق السفر والحضر ومن نحرص على مرافقته في الدروب الموحشة، والمسافات البعيدة. يقول الشاعر إلهاب بدر: صديقك اللي ينصف الهم نصفين ويشيل نصف الهم ما قلت شيله ولو ما تشوفه با الرخا دايم العين وتلقاه في وقت الشدايد دليلة هذا الصديق ومثل هذا قليلين في ذمتي مثله يساوي قبيلة ويقول أيضاً: رفيق المصالح لو تبرعت له بكلاك نسى وقفتك لا طاب جرح العملية ولاعاد تطري له و إليا حل له طرياك يقول الكلى ماهيب ميه على ميه هذا هو رفيق المصلحة وانتبه لاجاك لسانه عسل لاشك نابه كما الحية عسى الله يبعدهم عن اللي مثل شرواك هل الطيب والوقفات واللي على النية والرفيق قد يختلف قليلاً عن الصديق، ولكن المجتمع عادة ينظر إلى تلك المفردات على أنها متقاربة حد التطابق والاندماج. وأما مسألة الصداقة بكل معانيها فمتصلة بالمشاركة في الهم والوجع وتخفيف ما يصيب من معاناة في الحياة التي لا تخلو من الكدر، تلك الحياة التي فيها أيام حلوة وفيها مرة، وفيها أيام سعادة وفرح وأخرى هم وحزن مما تدعو الحاجة إلى وجود الصديق ومن يرافقنا، والذي يحمل جزءاً أو يقدم مشورة أو يتوجع معنا مشاركاً في تخفيف المواجع. وقد ننتقل من اختيار الصديق الواحد إلى اختيار المجتمع كله لكي يكون في منزلة الصديق من حيث نشر مبدأ التعاون والشهامة والرجولة والصفات الطيبة وهذا هو هدف الشعراء حيث تعم الفضيلة. يقول الشاعر عبد الله بن عون: خل اجتماعك بالرجال الحلاحيل اللي خيار المجتمع مجتمعها ولا تبدي الشكوى ولو ضامك الحيل الا على رجل يحس بوجعها رجل اليا التفت عليك النشابيل اما شبرها شبر والا ذرعها و يقول الشاعر مدشوش الأكلبي: ياوجودي وجد من خاب ظنِّه فاصدقاه وحملنَّه سود الايام مالا يستطيع وجد عودٍ مايبي أحد يقصّر فالصلاة وكبروا عياله وصدّوا عن الطاعة جميع من هواجيسٍ تكدر علي صفو الحياة ضيِقت صدري وأنا قبلها صدري وسيع الرفقة قد تختلف عن الصداقة إلهاب بدر عبدالله بن نايف بن عون