ربما عبارة (لكي تكتب صفحة عليك أن تقرأ كتاباً) كان لها بالغ الأثر على ذائقتي وشغفي في بكور الصبا، وتعثّر البدايات، وتهجّي أحرف الحياة الأولى، حينما بدأت أتلعثم شعراً ونثراً وقهراً. ولعل نشأتي بين (عمّين) يقرآن ويكتب أحدهم الشعر أثرتني معرفياً، حيث أتذكر في بدايات المرحلة المتوسطة قرأت ديوان (دموع تبتسم) للشاعر طلال السعيد، ثم أجمل 20 قصيدة حب، إلى أن قاسمت أعمامي قراءة مجلدات ألف ليلة وليلة التي كنّا نراها منجزاً قرائياً عظيماً. وفي المرحلة الثانوية تسللت لبعض دواوين نزار قباني وفاروق شوشة ومؤلف يتيم للكاتبة غادة السمّان، وبعض الأعداد من مجلة العربي الكويتية، وأشياء وأشلاء أخرى. كل هذا في وقت كانت مكتبات المدارس تعج بالكتب الدينية التي كنّا نجبر على قراءتها من قبل بعض المؤدلجين وقتها، ونشتغل كتابياً على تلخيصها، وساهم القرآن الكريم في إثراء المخزون اللغوي لدي، وأسهم في تقويم النطق الفصيح بالإضافة إلى الفوائد البلاغية من صور وأخيلة وقصص. لكن فيما يبدو لي أن التجربة القرائية الواعية بدأت مع دخولنا لمعترك الدراسة الجامعية وخروجنا من محيط القرى البسيط، إلى أفق المدينة الواسع الشاسع وفضاءات السفر خارج الحدود، ومن هناك كنّا نتفنّن في تهريب الكتب التي كانت تطالها قائمة المنع. فمن دواوين درويش ودنقل والنواب وعشرات الشعراء، إلى روايات محفوظ وحنا مينا ودستوفيسكي وغيرهم، مروراً بمؤلفات القصيمي والوردي وأدونيس وآخرين. كانت كل هذه القراءات وغيرها فضلاً على التثاقف والسفر ومجالسة المبدعين في شتى المجالات وقوداً لإنتاج التجربة الكتابية التي تشظّت بين الشعر والنثر، سواءً كانت مؤلفات أو مشاركات في مطبوعات ومهرجانات ثقافية كتابةً وتحريراً وإشرافاً.. ويكفي. * كاتب وشاعر سعودي