الحمد لله المتفرد بدوام البقاء، المتعالي عن الزوال والفناء، المقدر لكل نفس أجلاً معلوماً لا تغيره رغبات ولا تؤجله عن موعده أهواء. والصلاة والسلام على محمد سيد الورى، وخير من وُسِّد الثرى، وعلى آله وصحبه البالغين بشرف صحبته شوامخ الذرى. تلقيت خبر وفاة الشيخ سعيد بن سعد بن سعيد، بعد معاناة مع المرض، سلم بعدها روحه لباريها في أجلها المحتوم «وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَ0للَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ » فالموت مصير لا مفر منه، ونهاية لا محيد عنها، لا استثناء عنده لصاحب جاه وسلطة، ولا يغض طرفه عن ذي مرض وعجز، فالكل عنده سواء، من اكتمل أجله، وانتهى سعيه امتدت إليه يده ونقلته إلى عالم الحساب، ولا نجاة إلا لمن اعتصم بحبل الله، وتمسك بعروته الوثقى. وليس على الأحياء إلا الثبات على قدم الصبر، والرضا بحكم القدر، وإن كانت النفوس البشرية مجبولة على الحزن لفراق الأحبة، والوجد من بُعدهم الطويل، خاصة إن كان الراحل شخص له في الحياة وجود قوي، وبين الناس حضور دائم، كالشيخ سعيد بن سعيد - رحمه الله - الذي ترك فراغاً كبيراً في نفوس الناس، الذين عبروا عن حبهم له باحتشادهم في جنازته حشداً يدل على مكانة كبيرة راسخة بينهم. وبوفاته - رحمه الله - فقدت مدينة الرياض رجلاً استثنائيا لن يتكرر، صاحب همة وشهامة، وعطاء، وإيثار، يعجز اللسان عن تعداد مآثره. الشيخ سعيد بن سعيد حظي منذ نعومة أظفاره بعناية تامة من والده الشيخ سعد بن عبدالعزيز بن سعيد رحمه الله؛ حيث تعلّم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن صغيرًا، وكان يحضر مجالس والده، ويستمع لأحاديث كبار الزوار، ولمناقشات والده، وطريقة حديثه مع زواره؛ مما عجل نضوجه ووعيه المبكر، وبجانب ذلك كان والده حريصًا على أن يستكمل أبناؤه تعليمهم حتى يصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية، وهذ ما حدث؛ فقد أكمل الشيخ سعيد دراسته الجامعية خارج المملكة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكان من أوائل أبناء الوطن الحاصلين على شهادات عليا في الخمسينات الميلادية وكان تخصصه اقتصاد، وعندما عاد للمملكة بدأ حياته المهنية، وتدرج في المناصب الإدارية حتى أصبح وكيلًا لوزارة المالية للشؤون الاقتصادية، وكان يعتبر بحق رجل دولة من الطراز الأول، فقد أعطى وأفنى حياته في خدمة وطنه، وأحدث نقلة نوعية في العمل الإداري، متجاوزًا البيروقراطية الإدارية في ذلك الوقت عندما كان وكيلًا لوزارة المالية للشؤون الاقتصادية، فقد كان دوره فاعلاً ومشرفاً، وما زال كثير من الأشخاص الذين تعاملوا وعملوا معه يذكرونه ويدعون له بالخير على ما قدم لهم؛ حيث كان - رحمه الله - يمتاز بالحكمة والدراية وبعد النظر، والقدرة على إنجاز جميع الأعمال المنوطة به بكل جدارة واقتدار. وكان مثالاً للموظف النزيه الذي خرج من الوظيفة نظيف اليد؛ فلم يستغل مناصبه لتحقيق مكاسب أو منافع شخصية، وهذه من أعظم النعم التي ينعم بها الله على عباده، فالإنسان في الغالب يضعف أمام إغراءات المال والسلطة. وبعد تقاعده كانت حياته نموذجًا فريدًا للعطاء؛ فقد أفنى حياته في مجال العمل الخيري والإنساني من خلال خدمة الفقراء والمحتاجين في جميع أصقاع الأرض، وكرَّس نفسه، وقضى حياته في الدعوة إلى الله، وإطعام الفقراء، وتعليم المساكين، وكفالة الأيتام، والعمل في كثير من وجوه الخير المختلفة، تاركاً ملذات الحياة، مصاحباً الفقراء والمساكين، مقدماً لهم كل ما يستطيع، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة. عبدالعزيز بن عبدالملك الشلهوب