يصدق القول في حق القصائد الجيدة أنها هدية يقدمها الشاعر للمتلقي، ترفع من وعيه، وتقدم له دروساً وتجارب مر بها قائلها. فما يقدمه الشاعر من قصائد يستقبلها المتلقي باهتمام، والمتلقي فرد أو مجتمع، كما أن وقت التلقي ليس محدودا بزمن بل عبر العصور ما دام الراوي يرويها، أو هكذا يفترض، وكل من تلقاها يهتم بجانب من جوانبها بحسب ميوله ورغبته، تلك الجوانب الفنية والمعنى والأسلوب واللغة.. إلخ. ولهذا نجد من يتلقى القصيدة بشغف ويتذوق القصيدة باستمتاع، لكنه قد لا يحفظ منها بيتاً واحداً، وإنما اكتفى بفهم مراد الشاعر واستفاد من المعنى العام وأثرت فيه سلوكاً، وربما نشر معناها بين جلسائه، والحقيقة أن ذلك هدف مهم في حد ذاته قد يتفوق على بقية الأهداف الأخرى. أما الشاعر فيختلف عن المتلقي، باعتباره صاحب المنتج وينتمي إليه، فهو يولي كل جوانب قصيدته اهتمامه الأكبر، ولا يقتصر على الصورة الفنية مثلاً أو المعنى العام، أو الأسلوب أو الوزن والقافية فقط، ولو أنه أحس بثقل فضلاً عن كسر فيها لم يجزها ولم يهدأ حتى يصلح النقص فيها لأنه شاعرها، جعل من قصيدته عنواناً لقدراته وبراعته، وما فيها ينم عنه ويصفه. وعلى هذا يكون للمتلقي رأيه وذائقته، التي لا يكتفى بها للحكم على القصيدة، وإن كان مستهدفاً، كذلك للشاعر رأيه وذائقته وحكمه على قصيدته، ولكن في النهاية يحكم القصيدة ويعطيها مكانتها الفعلية الشعر نفسه، فما دامت قصيدة يضمها أدب وشعر فالحكم له، قيمتها منه وفيه. تخرج من الشاعر فتنضم لباب الأدب الشعري تدخل منافسة مع بقية الشعر عبر الرواية والميدان الواسع وفضاءات الأدب. هذه قصيدة قيمة يقول شاعرها محمد بن شبيب الحداري، رحمه الله: ياعيالي اللي تفهمون الوصاتي وصية اللي جرب الوقت تجريب جربت من سمر الليال افتخاتي مع مثلهن من بيض الأيام تقريب يا كثر ما مارست أنا في حياتي كم ليلةٍ يخطي بها الحظ ويصيب وكم ليلةٍ راحت عليّه فواتي وأنا بغفلة تطلع الشمس وتغيب وتغيب ثم تطلع وانا بلهواتي ما أذخر لباكر كود ما يذخر الذيب ولا هو جزع مما جرى واشتماتي الا اني اجعل عن هاك الوقت تعريب ما حيٍّ الا مقتفيه المماتي ولا شبٍ الا بعده العجز والشيب ولا بد ما تقضي ليال الحياتي أمرض واطيب وعقبه امرض ولا طيب وخلاني للساقة كثير إلتفاتي قل الزهاب ولا بوجهي معازيب ما عندى الا سيتي وحسناتي لا زيد بالحسنة ولا انقص من العيب يالله يا كاتب فروض الصلاتي يا قابل التوبة من العبد ومجيب تجعل لنا من باب جودك نجاتي يالله يا اللي تعلم السر والغيب ويقول الشاعر عبد الله بن زويبن رحمه الله: لاشك انا يابدر بانصحك وأدبك وأعطيك من كل المعاني يجازي تلقى فوايدها ليا خط شاربك فيها على كل الوصايا امتيازي خلك شمالي عند زلت قرايبك وعلى الحقوق اليا نصنك حجازي لاتذخر المذخور من دون واجبك اوف الحقوق الواردات بنجازي للضيف والجيران لين جوانبك وبالطيب جاز وبالردى لاتجازي واحلم على زلة رفيقك وصاحبك أدمح خطاهم لاتصير انتهازي ويقول الشاعر عبد الله الطلحي: احذر تغش الناس لوكان غشوك غادر بصمت وخل خاطرك صافي والدرب خله سمح لا تزرعه شوك يمكن يجيبك يوم وتمر حافي عبد الله الطلحي الحداري رحمه الله عبد الله بن زويبن رحمه الله