وافق أمس الثلاثاء الذكرى ال 104 لصدور (وعد بلفور) الذي قررت بريطانيا بموجبه إعطاء أرض فلسطين لليهود لإقامة وطن قومي لهم. (وعد بلفور) كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة لرغبات الصهيونية العالمية المتطرفة على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين. وجاء الإعلان على شكل رسالة موجهة من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك (آرثر جيمس بلفور)، في حكومة ديفيد لويد جورج إلى (اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية)، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية المتطرفة من جهة أخرى. واستطاع من خلالها "الصهاينة" إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة. الاحتلال البريطاني لفلسطين احتلت بريطانيافلسطين عام 1917، وعملت على تسهيل هجرة اليهود إليها، وتمكينهم على الأرض؛ تمهيداً لإقامة "دولة إسرائيل". وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص رسالة بلفور على الرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواها قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918، ثم تبعها الرئيس ولسون رسميًا وعلنيًا سنة 1919، وكذلك اليابان. وجاء في نص الرسالة "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". وفي 25 أبريل عام 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر (سان ريمو) على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع (إعلان بلفور) موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب. وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس (عصبة الأممالمتحدة) على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923، وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان إعلانًا غربيًا وليس بريطانيًا فحسب. دور الحركة الصهيونية واتخذت الحركة الصهيونية وقادتها من هذا الإعلان مستندًا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة "الدولة اليهودية" في فلسطين، وتحقيق حلمهم بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة "وطن قومي" لليهود، يجمع شتاتهم. وكانت الحركة الصهيونية انتقلت من مرحلة "التنظير" لأفكارها المتطرفة إلى حيز التنفيذ في أعقاب (المؤتمر الصهيوني الأول)، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ "البرنامج الصهيوني"، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن "للشعب اليهودي" في فلسطين. وتبدو الإشارة إلى بلفور في نص "وثيقة الاستقلال المعلنة" مع قيام ما بات يُعرف بدولة إسرائيل، دليلًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة للصهيونيين، حيث نقرأ في هذه الوثيقة "الانبعاث القومي في بلد اعترف به إعلان بلفور". وتمكن الصهيونيون من استغلال تلك الرسالة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم "صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين" ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في 15 مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأممالمتحدة بضغط من الدول الكبرى. وأصبحت "إسرائيل" بذلك أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية. وأعطى وعد بلفور وطنًا ليهود ليسوا من سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور الإعلان سوى خمسين ألفًا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، الذي كان يقدر بحوالي 12 مليونًا. في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفًا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الإعلان "المشؤوم" تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، التي بقيت مجرد حبر على الورق.