بدأ كل شيء مع رسالة بعث بها وزير الخارجية البريطانية اللورد آرثر بلفور، الى الزعيم البريطاني اليهودي البارون روتشيلد يعلن فيها مساندة بريطانيا لاقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. غير ان هذه الرسالة سرعان ما تبين انها اكثر من رسالة مجاملة تحمل كلاماً سياسياً عابراً: هذه الرسالة التي بعثت يوم 2 تشرين الثاني نوفمبر 1917 كانت اشبه ببيان تأسيس لدولة اسرائيل، استجابة لمطالب الصهاينة الذين كانوا يسعون في سبيل ذلك منذ اكثر من عشرين سنة. حملت الرسالة منذ ذلك الحين اسم "وعد بلفور". ذلك الوعد الذي اغضب العرب وأدى الى خسارتهم ارض فلسطين بالتدريج، في الوقت نفسه الذي بعث الأمل في نفوس اليهود الذين وجدوا في الرسالة - الوعد مستنداً سياسياً وتاريخياً، راحوا يحاسبون بريطانيا على أساسه، عقوداً بعد ذلك، ومن الناحية الرسمية قيض لذلك الوعد ان يصبح في تموز يوليو من العام 1922، جزءاً أساسياً من بنود انتداب عصبة الأمملبريطانيا على فلسطين. والملفت هنا هو ان الصهيونية العالمية - بزعامة وايزمان - استندت الى "وعد بلفور" للعمل على اقامة الكيان الاسرائيلي، على الرغم من ان "الوعد" لم ينص أبداً على ان ما تعد به بريطانيا، اليهود، انشاء دولة. فالقانون يفرق دائماً بين انشاء وطن وانشاء دولة، غير ان الصهيونية ضربت عرض الحائط بذلك التفريق، وانطلقت من "الوعد" لتحول احلامها الى حقيقة، لم تكتف معها بانشاء "وطن قومي" بل تجاوزت ذلك لانشاء كيان جديد، كان العرب الفلسطينيون من دفع ثمن اقامته، ولا يزال…