صدر مؤخراً المرسوم الملكي الكريم رقم م/16 تاريخ 30 / 01 / 1443ه بالموافقة على نظام التكاليف القضائية، وهي مبالغ مالية يلزم المكلف بدفعها وفقاً لأحكام النظام واللائحة على الدعاوى والطلبات التي يقدمها الخصوم وغيرهم أمام المحاكم مما لا يدخل في الدعوى. ومعلوم أن المبدأ الراسخ في المملكة هو مجانية التقاضي إلاّ أن تدفق القضايا على المحاكم نتج عنه سلبيات منها تأخر الفصل فيها وإشغال المحاكم بقضايا غير محقة أو مبالغ فيها أو خالية من البيِّنات أو كيدية، إذ تجاوز عدد القضايا الواردة إلى المحاكم التجارية والعامة والأحوال الشخصية والجزائية فقط هذا العام الميلادي حوالي 486.500 قضية وفي العام الماضي تجاوزت 1.537.000 قضية على اختلاف أنواعها، حسبما ورد بإحصائية القضايا الواردة للمحاكم المتاحة بموقع وزارة العدل ضمن البيانات المفتوحة، لذا رُؤي ضرورة علاج هذه الظاهرة السلبية بالحد من الدعاوى القضائية للمطالبات المبالغ فيها بإلزام أصحابها دفع مقابل مالي لها مما سوف يؤدي إلى الحد من الطلبات غير المؤيدة بالبيّنات، عندها سيتفرغ القضاة للطلبات الجادة. وقد استثنى النظام في مادته الثانية الدعاوى الجزائية العامة والدعاوى التأديبية والطلبات المتعلقة بها ودعاوى وطلبات محاكم الأحوال الشخصية والطلبات والدعاوى التي يختص بها ديوان المظالم ودعاوى وطلبات قسمة التركات، عدا طلبات النقض والتماس إعادة النظر للحد من الاعتراضات غير المحقة على أحكام القضاء، كما استثنى النظام طلبات تطبيق أحكام نظام الإفلاس والانهاءات وما يتعلق بها من طلبات من تطبيق أحكامه عليها. يظهر جلياً مما تقدم مراعاة النواحي الإنسانية والعملية لتمكين أصحاب الحقوق من تقديم دعاويهم واعتراضاتهم دون أي تكلفة مالية. وفيما يخص دعاوى بطلان حكم التحكيم جاء بتكاليف قضائية مخفضة نسبته 1 % من قيمة المبلغ المحكوم به على مدعي البطلان إذا حكم برفض طلبه وبحد أقصى مليون ريال بهدف الحد من دعاوى بطلان أحكام التحكيم وفق ما ورد بالمادة الخامسة من النظام. وفرض النظام في مادته السابعة تكاليف قضائية مخفضة على طلبات الاستئناف والنقض والتماس إعادة النظر والطلبات العارضة وطلبات الادخال والرد وطلب السير في الدعوى المتفق على وقفها وتصحيح الحكم وتفسيره والطلبات الأخرى التي تحددها اللائحة بما لا يزيد على عشرة آلاف ريال. وقيَّدت المادة الثامنة التكاليف بما لا يزيد على ألف ريال لطلبات تسليم نسخة مصدقة من أوراق الدعوى أو سجلاتها أو طلب الاطلاع عليها، وكذلك طلب نسخة بديلة، باستثناء الطلبات التي تقدم أثناء نظر الدعوى من أطرافها أو المدخلين فيها فليس عليها تكلفة. كما استثنت المادة العاشرة الدعاوى المحكوم بها بعدم الاختصاص إذا أقيمت أمام المحكمة المختصة من التكاليف، وكذا إذا قضت المحكمة المختصة بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته، لتمكين أصحاب الحقوق من تقديم طلباتهم وتظلماتهم دون تكلفة مالية وتمكنهم من عرضها على القضاء للمرة الثانية ليقول كلمته العادلة فيها إعمالاً لمبدأ مجانية التقاضي. وبموجب المادة الثالثة عشرة يتحمل المحكوم عليه قيمة التكاليف القضائية المقررة للدعوى والطلبات المتصلة بها أو قسطاً منها إذا كان غير محق في طلباته أو جزء منها على التفصيل الوارد فيها. وحثاً للخصوم على إجراء الصلح أثناء المحاكمة يتحمل كل منهم التكاليف بالتساوي ما لم يتفقوا على خلاف ذلك، فضلاً عن تخفيض المادة الخامسة عشرة التكاليف إلى الربع في حالة الصلح أمام المحكمة إذا حصل بعد الجلسة الأولى وقبل الحكم في الدعوى. وعددت المادة السادسة عشرة الحالات التي تُرد فيها التكاليف إلى من دفعها إذا حكم لصالحه وإذا قبل طلبه رد القاضي أو القضاة أو تصحيح الحكم أو تفسيره والاستئناف إذا حكم بنقض الحكم المستأنف وفي حالة ترك المدعي دعواه قبل عقد الجلسة الأولى والدعاوى التي تنتهي بالصلح قبل الجلسة الأولى والدعاوى المتعلقة بالحقوق الخاصة التي ترفع بالتبعية للقضايا الجزائية إذا انتهت بالصلح بهدف الحث على إجراء الصلح قبل الحكم. واستثنت المادة السابعة عشرة المسجونين والموقوفين من التكاليف القضائية في قضايا مالية غير جنائية والعمال المشمولين بنظام العمل والمستثنين منه والمستحقين عنهم للمطالبة بمستحقاتهم الناشئة عن عقود العمل مراعاة لظروفهم المالية انطلاقاً من المبدأ الإنساني الثابت الذي تتسم به مملكة الإنسانية، فضلاً عن استثناء الوزارات والأجهزة الحكومية أيضاً من تلك التكاليف. ويأتي هذا النظام ضمن التطورات العدلية التي تشهدها المملكة وفقاً لرؤية (2030).. وفّق الله ولاة أمرنا وسدد خطاهم.