يقال إن الفنون تتشابك وتتشابه وتتناسخ أحياناً على الأقل على مستوى الحضور والشيوع لدى المجتمع، تذكرت هذا وأنا أتابع كغيري تفاعل المجتمع مع الدراما المحلية بثوبها الجديد أو ما يشي بذلك، حيث الاختلاف النوعي في طرح القضايا الدرامية، والخروج من صيغة المثالية والوعظ المباشر وغير المباشر، أو النقد الفاضح الذي بُنيت عليه الدراما المحلية في زمنها بقيادة «طاش ماطاش»، حيث قام بدوره حينها وجاهد للتوفيق بين وعي المجتمع بقضاياه ومعالجتها بصورة ارتجالية غالباً. اليوم عادت الدراما للواجهة من خلال منصات البث الجديدة كشاهد ونت فليكس، وباتت تحظى بشغف واهتمام الجميع، فقد رصدنا جميعاً بصورة أو بأخرى ردود الأفعال والأطروحات التي عقبت بث مسلسل «رشاش» مثلاً وشكّلت صورة حية لهذه العودة. هذا التفاعل الجديد مع الدراما المحلية، التي حضرت هذه المرة بعدتها وعتادها إنتاجاً وإخراجاً، أعادت لذهني فكرة التناسخ بين الفنون، إذ بدا لي أن مسلسلات من نوع «رشاش» أو حتى «اختطاف» مثلاً مشابهة في جرأتها وتمردها لذلك الحضور الجريء للرواية المحلية مع أواخر التسعينات وبداية الألفية، حيث مواجهة التابو واختراقه، لدرجة أن هذا الاختراق تحوّل إلى غاية في كثير من أعمالنا الروائية بغض النظر عن قدرتها على استيفاء تقنيات الرواية حينها، ومع انطلاق الألفية وتمخض الرؤيا الجديدة للرواية، بتنا كل عام نحتفي بتميز جديد لروايتنا المحلية على الأقل على مستوى جائزة «البوكر» وتعاقب روائيينا على الفوز بها، وبالتالي جاء مسلسل «رشاش» مثلاً كعمل درامي جديد يحاول ما استطاع الخروج من جلباب الوعظ والمباشرة، الذي كانت عليه الدراما المحلية قديماً -ولو نسبيّاً-، وهو تمرّد وإن اكتفى بذاته اليوم إلا أنه نواة حقيقية لأعمال درامية متطوّرة، تؤسس لمرحلة جديدة من الطرح الدرامي، فالمسكوت عنه كثير في حكايات شوارعنا، والفرص متاحة من خلال ظهور جيل جديد من الممثلين بإمكانات جديدة، ودعم غير مسبوق عبر همة قيادة تعي أهمية الفن وتؤمن بقيمته الوجودية.