على كثرة المنتج السردي، وبخاصة الروايات في الآونة الأخيرة سواء داخل المملكة العربية السعودية أو حتى على المستوى العربي، إلا أن هذه الروايات لا تجد طريقها إلى عالم الدراما، سواء على مستوى الأفلام أو المسلسلات أو أي نوع من التعامل في هذا الجانب.. فأين يكمن الخلل في انقطاع الحركة الدرامية عن المنتج السردي؟ هل هذه الروايات غير صالحة للمعالجة الدرامية، أم أن الساحة تخلو من مبدعين في مجال السيناريو بوصفهم حلقة الوصل بين الرواية والدراما؟ هل تفتقر الساحة للمنتج الجرئ الذي يدرك أن الاستثمار في هذا الجانب يقع من صميم رؤية المملكة 2030؟ هل العلة في المخرجين.. أم في الكوادر الفنية والمعطيات التي تتعامل معها؟ جملة هذه الأسئلة تباينت حولها الآراء في سياق هذا التحقيق حول غياب المنجز السردي السعودي عن الدراما.. الجمعان: العلة في قلة الكُتّاب المحترفين في مستهل الحديث يرى الدكتور سامي الجمعان، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك فيصل أن: معالجة الروايات دراميًّا من أجل تقديمها في تصور فني مختلف توجه حاضر منذ فترة ليست بالقصيرة خاصة في السينما، ثم التلفزيون ثم المسرح. ماضيًّا إلى القول: وحين يأتي الحديث عن تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني على سبيل المثال فهي مسألة تتطلب قبل كل شيء كاتبًا محترفًا بكل ما تعنيه الكلمة؛ من أجل التمكن من وضع الرواية في نصابها الحدثي الممكن؛ على اعتبار أنها تتحول من وضعيتها السردية المقروءة إلى وضعية درامية مشاهدة، ونحن نقول احترافي لأن قدرة الكاتب هو الضمان الحقيقي لعمل تلفزيوني مقنع وغير مهلل. أما من حيث توفر الروايات فأنا أقولها وبكل تجرد أن لدينا في المنجز المحلي السعودي فقط العديد من الروايات القابلة للتحويل وبها أرضية جاهزة كي تكون درامات تلفزيونية؛ وحكمي هذا مصدره البحث الواقعي في المنجز؛ خصوصًا إنني أنجزت دراسة حول كل منجز الرواية النسائية السعودية من 1958 حتى 2009م وقد واجهت في هذا التطواف كمًّا كبيرًا من الروايات الجاهزة، لكن توفر الكاتب المحترف المتمكن ليس بالأمر الهين ولا شك أن ثمة قلة في وفرة القادرين على مثل هذا. الحربي: هناك خلل في منظومة الإنتاج الدرامي في مداخلته بدا المخرج والفنان خالد الحربي محبط من واقع الدراما السعودية، ويظهر ذلك في قوله: ليست لدينا دراما ذات عمق أصلًا كي نستعين بالروايات.. لا على مستوى التلفاز ولا على مستوى الإذاعة، فكلها أشياء بسيطة وأحادية الطرح إلا ما رحم ربي.. فهناك بعض الأعمال التي تعد على أصابع اليد الواحدة التي تنتج لأعمال أدبية مثل أعمال أحمد السباعي وغيره. ويمضي الحربي مضيفًا: هناك خلل في منظومة الإنتاج الدرامي؛ فالكوادر الفنية الوطنية المتخصصة شحيحة، ومن أهم هذه الكوادر في هذه الحالة كاتب السيناريو الذي يستطيع أن يأخذ العمل أو المنتج السردي ويقدمه بنفس العمق الموجود في المنتج السردي الأصلي، نعم هناك موهوبون لا ننكر ذلك لكن ينقصهم التسلّح بالعلم هناك أساسيات لابد من إتقانها في فن كتابة السيناريو، كذلك لا يوجد المنتج الواعي بأهمية وقيمة بعض الإنتاج السردي الجيد.. فأين المنتج الذي فكر في تحويل الروايات السعودية التي حققت صدى أو جوائز البوكر العربي، مثل روايات عبده خال، ورجاء عالم، وأخيرًا علوان في «موت صغير».. السؤال الأدق من يقرأ هذه الروايات من القائمين على الدراما. بالطبع من يقوم بذلك هم ندرة.. وآخر مثال قريب مسلسل «العاصوف»، وفي نفس الوقت أغلب المنتجين أصحاب الحظوظ غير مهتمين بالمنتج السردي.. بصراحة المنظومة كلها فيها خلل كبير. الكاسب: رؤية 2030 تدرك الرسالة السامية للفن ويتفق الفنان طلال الكاسب مع «شعيب» في تحكم النظرة التجارية على الأعمال الفنية، بقوله: إن ساحة إنتاج الأعمال الفنية تحكمها الاعتبارات التجارية إلى حد كبير، فواقعيًّا الدراما تجارة وفن وليس فن فقط. ومن هنا جاءت بعض الآراء التي تحث الدولة على التدخل في إنتاج بعض الأعمال الفنية التي يكون لها دور في التوعية والتعليم كالأفلام التاريخية مثلًا. وأؤكد أننا لا ينقصنا المبدعون من كُتّاب وممثلين ومخرجين وعناصر إنتاج الأعمال الفنية، فالكثيرون يبحثون عن فرصة ومعطيات التعامل. فمثلًا الدراما والفن الفرنسي تقدم وانتشر عالميًّا عندما خصصت الدولة إمكانيات سمحت بتشجيع المواهب ليس في فرنسا فقط، بل في الكثير من الدول النامية في شمال إفريقيا والقارة الإفريقية وغيرها. ويخلص الكاسب إلى القول: إن رؤية المملكة 2030 تدرك الرسالة السامية للفن، ومن هنا فإن الاعتبارات التجارية والربحية يجب ألا تصبح المحرك الرئيسي فى إنتاج الأعمال الفنية، ومن هنا يظهر دور الدولة سواء بتخصيص قناة للفن الإبداعي الشاب أو بإنشاء صندوق للدعم الفني. العتيبي: الدراما متأخرة إنتاجًا وتمثيلًا وإخراجًا واكتفى الناقد سعد العتيبي بالقول: أعتقد أن الدراما السعوية لازالت في مرحلة متأخرة سواءً على صعيد الإنتاج أو التمثيل أو الإخراج أو حتى الفكرة، فالنصوص لازالت في مضمونها مسطحة الفكرة، أحادية الجانب، ساذجة أحيانًا لا تشبع رغبات المتلقي. الأسطا: فكرة المخرج السعودي لم تكتمل حتى الآن وعلى خلاف من يرون بعدم صلاحية بعض الروايات للدراما، يرى الناقد الفني فهد الأسطا أن «كل رواية صالحة لأن تتحول إلى عمل درامي»، مستدركًا بقوله: لكن ليس من المؤكد نجاحها؛ فهناك عدة عوامل معتبرة غير الإخراج، ورؤية المخرج، هناك بطبيعة الحال الكاتب السينارست المبدع الذي يستطيع تحويل العمل الروائي وهو ما نفتقده غالبًا في عالمنا العربي. ويتفق الأسطا مع سابقيه في أن «المنتج هنا هو تاجر فقط، وحسابات المكسب لديه أكبر من الشغف الفني والرغبة في خوض تجارب مختلفة أو إبداع جديد، هذا إذا ما كان في الأساس دخيلًا على المجال الفني إجمالًا.. مختتمًا بقوله: لكن مع قدوم السينما كصالات عرض أعتقد أن الوضع سيكون مغريًّا على المستوى التجاري للمنتج، والذي ربما يتحول فعلاً للحس الفني. أما من جهة الإخراج والكوادر فنحن للأمانة ليس لدينا أرضية كافية في هذا المجال، ومازلنا نستعين بالآخرين أو نقدم تجارب متواضعة، ولذا ففكرة المخرج السعودي لم تكتمل حتى الآن. أسباب الأزمة - غياب الكاتب (السينارست) المحترف . - عدم مناسبة بعض الروايات للدراما . - تحكم العقلية التجارية على المنتجين . - عدم وجود صالات عرض سينمائي . - ضعف الكوادر الفنية السعودية (مخرجين، ممثلين، فنيين) لبخل في منظومة الإنتاج الدرامي . - عدم اطلاع الدراميين على المنجز السردي . - غياب التواصل بين الدراميين والأدباء . - قلة التعاميد من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون . شعيب: المنتجون يتعاملون مع الفن بعقلية «تاجر شنطة» وعلى خلاف ذلك يذهب الممثل فيصل شعيب إلى الإشارة بعد تناسب بعض الروايات للدراما في سياق قوله: بعض الروايات تعتمد على الخيال والبعد عن الواقعية مما جعلها حبيسة غلافين، والبعض لا يتجاوز أن يكون مناسبًا بفيلم سينمائي قصير، أما عملًا دراميًّا طويلاً فلا تصلح له، ولنا في تجربة تحويل رواية «شقة الحرية» للراحل غازي القصيبي إلى مسلسل؛ حيث لم تلقَ النجاح المتوقع مثل نجاحها كرواية مقروءة، وكذلك رواية «ساق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي. ويمضي شعيب في حديث باحا عن السبب في ذلك بقوله: قد يكون لغياب السينارست المتخصص دور في ذلك، حيث إنه قد يضيف للرواية خطوطًا درامية متوازنة مع محور الرواية لتنتج في النهاية عملاً يحمل القيمة الدرامية، والقيمة الجمالية. أما المنتجين فلن أعمم القول؛ ولكن الأغلبية أصبح يتعامل مع الأعمال الفنية ك»تاجر شنطة»، تستهويه البضائع المقلدة لأنها تدر عليه أرباحًا دون النظر لجودة العمل الفني، فالمهم هو كم سيربح من المسلسل، وكم سيوفر حتى لو كانت تتعارض مع الرؤية الفنية للمخرج وتصوره. ويختم شعيب بقوله: لذا أتمني أن يأتي منتج يحمل رؤية فنية حقيقية ليتبني مجموعة من الروايات ويستعين بسينارست متخصص حتى لو كان من إحدى الدول العربية ويتم تحويلها لمسلسلات تحمل وتطرح هموم رجل الشارع البسيط بقالب محلي جميل، كما أتمنى أن يأتي كاتب ويقدم رواية خالصة من أحداثنا بعيدًا عن الخيال والمبالغة. اليامي: قلة التعاميد وضعف التواصل وراء الأزمة ويرى الفنان عبدالله اليامي أن الأزمة تكمن في عدم التواصل مع الكتاب أنفسهم وقلة التعاميد بقوله: موضوع الاستفادة من القصص الأدبية بالنسبة لي مهم جدًّا؛ ولكن هناك مشكلة أساسية تقف عائقًا في ذلك وهو عملية التواصل مع الأدباء وفي نفس الوقت قلة التعاميد من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون مما تسبب في قلة إنتاج الأعمال الدرامية وبالتالي قل معها كتابة النصوص. وأنا أعرف جيدًا أنه يوجد لدينا أدباء جديرة رواياتهم لو حولت لأعمال درامية أن تحدث نقله نوعية في الدراما المحلية، لأنها ستكون قريبة من مناقشة واقعنا الذي نعيشه، هذا بالإضافة إلى أن الروائي قد لا يصبر على حقه المادي لحين الرفع لأخذ الموافقة على إنتاج المسلسل من عدمه. أما بالنسبة للكوادر من كتاب مؤسسات إنتاج في متوفرة وعلى أعلى مستوى من الحرفية؛ ولكنها تحتاج إلى منحهم الفرص لإثبات ذلك، فلا يكون الإنتاج لصالح مؤسسات معينة فقط. وأنا هنا أقترح بأن يكون هناك مجلس ثقافي لو كل شهر مرة يجتمع به الروائيون وكتاب السيناريو والمنتجون حتى يكونوا قريبين دومًا ومطلعين على كل ما هو جديد. الثبيتي: لا تطلبوا من العمل الروائي أمرًا لا يجيده ويقول الناقد خلف الثبيتي: لكلِّ نصٍ أدوات نقد يُحتكم إليها، ولكلٍّ مقومات نجاح أو أسباب فشل، ففي اللحظة التي يتحول فيها العمل الروائي - والسردي عمومًا - إلى منتجٍ درامي، تتغير وجهة النظر والنقد، سواء على مستوى التقنيات الداخلية أو العناصر الخارجية للنص؛ فالقارئ في النص المحوَّل لم يعد ذلك الذي يجيد التعامل مع إيحاءات النص ولغته الكثيفة وخياله الواسع، بل تحول إلى جمهور من القراء يسيطر الحدث، قبل كل شيء، على ثمرة اهتمامهم وفكرهم، وبقدر ما يُمنح الحدثُ من تفرّدٍ في التجربة وملامسة للمشاعر والقضايا الاجتماعية، وقدرة على الاتساق مع الواقع، يَمْنَحُ ذلك القارئُ الجمهورُ رضاه وتجاوبَه ومتابعتَه. ويتابع الثبيتي: لذا من أجل أن يحقق النص الدرامي حضوراً مميزاً يحتاج أولاً، إلى تعاملٍ خاص مع اللغة، حيث يسعى إلى تحقيق أهدافه بتقديم الحدث ضمن اللغة الشعبية السائدة، أعني، أن يفقد النص الروائي ذلك الوهج اللغوي الذي ربما كان هو مرتكزه الأسمى، ومن هنا تختلف طبيعة المقايسة، كما تختلف طبيعة التلقي، إذ إن متلقي النص الروائي الذي تأتلف فيه جماليات اللغة والخيال والحدث هو متلقٍ منتج، وليس للآخر هذا القدر من الحركة والإنتاج. وإذا ما أدركنا سبباً جديراً لمقياس نجاح العمل الدرامي أدركنا جوهراً مهما في القضية، ألا وهو اهتمام المنتجين بالعائد المادي التجاري، ومن ثم تتحدد اختياراتهم، وهي إما أن تكون أعمالًا سطحية لكنها عاطفية، أو عظيمة اختيرت لشهرتها ومكانتها عند جمهور المثقفين، ولربما أساء لتقنياتها ومضامينها سوء الإنتاج أو الإخراج أو السيناريو. لكنْ كلا الأمرين أدب، والأدب ظهير الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يتربع فيها مصوراً أو مؤيداً أو خاذلاً، وبقدر ما يمتلكُ الأدباءُ من حس الوطنية والشعور بالدور الإيجابي في البناء والارتقاء؛ يقدمون أدبا مؤيِّداً وداعِما، يصنع الإيجابية والهمة لدى كافة أشكال المجتمع وعناصره، ولنا هنا أن نقول: إن الحرص على اختيار المحتوى الجاد، والبعد عن الهامشي والساذج والسطحي، والقدرة على الإنشاء الذي يوازن بين مخاطبة العقل ومراعاة العاطفة، وتأمل الواقع واستشراف المستقبل المتشكل في توقع الأحداث والتطورات؛ يقع جميعُه لبنةً صالحة في بنية الرؤية المستقبلية للمملكة. ويختم الثبيتي بقوله: هكذا تصل الفكرة في النهاية إلى نقطة حرجة! وهي أننا نطلب من العمل الروائي أمرًا لا يجيده، لا يعني هذا فشل التجارب، بل يعني أن نجاحها كان لأسس خارجة عن أصل العمل كالسيناريو وجودة الإخراج، وما كتب دراميًّا منذ النشأة هو الأكثر فاعلية حسب الجودة التي يمتاز بها، ذلك أن كاتب الرواية لا يكتب حدثًا أو تجربة فحسب، بل يكتب رؤية وتصورًا وفلسفة، ومعالجة عميقة للقضايا، وهذه جميعها تتكامل في وحدة إبداعية منظمةٍ متناسقة لغة وخيالًا وحدثًا وشخوصًا وإيحاء وترميزًا، تفتقد اكتمالها ومقاصدها إذا شُوِّهتْ تلك المنظومة وتغايرت.