شهدت الدراما السعودية هذا العام ملامسة لبعض هموم المواطن بشكل مباشر وصريح رافعة بذلك سقف الحرية لمستوى غير مسبوق ويأتي برنامج "سلفي" كمثال واضح في تناوله لقضية الأمن الفكري ولقضية التشدد الديني وفي تناوله لموضوع الطائفية. فلماذا نجحت الدراما فيما فشلت فيه الرواية أو الأدب عموما، ولماذا سبقت الدراما الأدب لهذا الجانب، هل كانت الرواية ستؤثر الأثر نفسه لو أنها دعمت إعلاميا؟ هذا ما تناوله عدد منى الأدباء والفنانين في الاستطلاع التالي. مجرد وهج بداية تحدثت الكاتبة والمخرجة أمل الحسين قائلة "من خلال متابعتي للمنتج الابداعي فقد قرأت العديد من الروايات التي تناولت الارهاب او الشخصية الدينية المتطرفة المحرضة ضد أرضها وشعبها وشعوب العالم، حتى أن هناك بعض الروايات التي مزجت بين السيرة الذاتية لكاتبها حين كان عضوا في هذه الجماعات الضالة وبين خيال العمل الروائي، علاوة على المقالات الصحفية شبه اليومية التي تتناول الصور المحتلفة للارهاب والتطرف، والنكتة أيضاً فقد انتشرت النكتة التي تسخر من التطرف والمتطرفين والإرهاب بشكل هائل ورائع. وتضيف الحسين "بالنسبة للعمل الدرامي المحلي لا اتصور انه تفوق على بقية المجالات الاخرى في كشف هذه البؤر، بالعكس أجد أن بعض الروايات والمقالات الصحفية كانت أكثر عمقاً من الاعمال الدرامية (التي شاهدتها على الأقل)، ولكن الشاشة لها حضور ووهج أقوى وأكثر انتشاراً والتفاعل الذي نراه مع الاعمال الدرامية على شبكات التواصل خاصة لا يعني تفوقها أو وضع يدها على موطن الجرح الأصلي ولكن هو تأثير الشاشة فقط، وللأسف قرأت بعض التعليقات من شخصيات إعلامية على حساباتهم في شبكات التواصل تثني على أعمال أو شخصيات بشكل مبالغ فيه جداً بسبب حماسهم وهذا مؤشر لتدني تقييم الأمور بشكلها الصحيح مما قد يؤثر على العمل الفني بشكل عام فينتشر العمل المتواضع وليس السبب في انتشاره المنتج بقدر الثناء المبالغ فيه للعمل. وتختم الحسين "حسب ما يقال ان الدراما تسلط الضوء على المشكلة ولا تحلها فليس هذا شأنها وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن كشف المشكلة في حد ذاته مستويات؛ فما قدمته الدراما المحلية حتى الآن خاصة في شهر رمضان الذي يعتبر موسم الأعمال الدرامية، لا يختلف عما قدمته المقالات أو النكت، بينما الدراما لها أذرع كثيرة كانت تستطيع استخدامها لكشف المشكلة أن كانت تريد تخطي عتبة الكشف، فتحليل الشخصيات ودور المنزل والمدرسة والمسجد والمجتمع، هو احد ادوار الدراما في كشفه علماً بأن بعض الروايات قامت بكشف هذه الجوانب". حضور مقتضب وشارك القاص عبدالرحمن العمراني المخرجة الحسين رأيها بقوله "لم تغب قضية التشدد والامن الفكري والارهاب عن مجمل طرح المنتج الثقافي والادبي في المشهد المحلي ولكن يكاد يكون حضورها مقتضبا او لم تناقشه الدراسات النقدية وتسلط الضوء عليه، وفيما لو أخذنا على سبيل المثال أول حضور لها حسب ما اعتقد كانت رواية "الانتحار المأجور" للكاتبة آلاء الهذلول التى صدرت قبل عشر سنوات والتى كانت تحاكي ذهنية الإرهاب والتجنيد للشباب 2005م، إضافة ل "ريح الجنّة" لتركي الحمد، "الارهابي 20" لعبداللّه ثابت. ويتابع العمراني "ولكن تميزت ثقافة الصورة المرئية والدراما عن الادب في هذا القضية، خصوصا أنها وظفت قضية الإرهاب بسهولة لغة الطرح وقربها من وعي المشاهد والتي كانت هي الأكثر تأثيرا في وعي المتلقي المشاهد ولذا سجلت نجاحا في وقت قياسي قصير مقارنة بما يطرح على الساحة الأدبية، هذا من جهة ومن جهة أخرى القضية لم تعد أمنية فحسب، بل أصبحت ثقافية شمولية تتناولها كافة شرائح المجتمع التعليمية والأدبية والإعلامية بما فيها الدراما واصبحت من الضروري التعامل مع طرحها بكل شفافية لتصل الى الناس بكل الوسائل". تأثير محدود ومن جهة أخرى، يرى الكاتب والاكاديمي التربوي الدكتور احمد سعيد درباس "ان للفن دورا تنويريا وتوعويا في معالجة جل القضايا الاجتماعية والفكرية التي يمر بها المجتمع، وإذا ما تجاوزنا الفنون الأدبية الإبداعية كالرواية والقصة التي عادة ما يكون تأثيرها محدودا، وأثرها لا يتجاوز القلة من المهتمين بالقراءة ونعني النخبة، في المقابل هناك الكوميديا التي تعد في نظرنا من أفضل الطرق وأنجح الوسائل وأكثرها تأثيرا وأسرعها في الاستحواذ والسيطرة على مساحات شاسعة من الوعي الجمعي الذي عادةً ما يستجيب للومضات التنويرية". ويضيف درباس "مسلسل "سلفي" اختصر الوقت اللازم للتأثير واختزل الوقت اللازم للاستجابة والتفاعل، فثقافة الصورة المرئية المدججة بفكر تنويري لها فعلها الملموس في قطاع عريض من المجتمع، لن تستطيع الكلمة المكتوبة والمقروءة ان تثير او تحرض الاستجابة الآنية والتفاعلية التي عادةً ما يتمخض عنها تعديل ايجابي للسلوك وإلى حد ما في التفكير، وفي ظني والظن في هذا السياق يعني اليقين ان الكوميديا تمكنت من جعل المشاهد المتابع يعيد البصر مرتين فيما يدور حوله من احداث". الوهج الإعلامي اما المخرج السينمائي السعودي ممدوح سالم فقد أبان رأيه بقوله: "الذي يميز الدراما عن الرواية هو مواكبتها للأحداث الجارية فهي اذا لم تواكب العصر ستصبح عملا سطحيا لا يقدم جديدا وقد نجح الفنان ناصر القصبي والكاتب خلف الحربي وباقي اسرة "مسلسل سلفي" رغم تزاحم الأعمال الدرامية في شهر رمضان الكريم في ان يقدموا عملا عالج فيه الكثير من القضايا الدينية والأسرية بمعالجة اتجهت إلى الواقعية بشتى صورها، كذلك نجح المسلسل في فضح أفكار الإرهاب ومن يعتنقونه ومن يؤيدونه ومدى تجني هذه العصابات على الإسلام ومبادئه العظيمة ودعوته للسلام الخالد والمحبة ونبذ التطرف وقد كنا نعاني من الدراما الهابطة التى ظلت لسنوات تدور بين السماجة وغياب الحرفية، كذلك لا نريد ان نقسو كثيرا على الرواية فقد نجح بعضها في مناقشة الارهاب ولكن الاعلام كان ضعيفا فنجد عشرات الروايات انتجت في العام الواحد ولم تأخذ نصيبها الاعلامي، فيما لم نسمع الا عن تلك الروايات التى رشحت فقط لجوائز اما محلية او عربية، اما الروايات الاخرى فقد ظلت في نطاق الروائيين والادباء ولا يعرف عنها المجتمع كثيرا لان الوهج الاعلامي ظل ضعيفا في دعمه لها. واقع مخملي الكاتب والصحفي والأكاديمي الدكتور صالح بن سبعان لخص رؤيته وتطلعاته بقوله: "أي عمل درامي اجتماعي ثقافي عندما يعكس ويحكي لغة الواقع تجد انه يتابعه شريحة عظيمة في المجتمع، وبالتالي تصل الرسالة خاصة إذا كان يجسد حقيقة وواقعا، هذا ما يميز حلقات "مسلسل سلفي" التى هي في الاصل «طاش ماطاش» بتغير الاسم فقط وبالتالي فالمسلسل لمس الواقع بلمسة فكاهية، وبالتالي استطاع ان يستقطب نسبة عالية من المشاهدة من جميع الطبقات لانها تجسد وقائع حقيقية في جرأة طرحها وقالبها الكوميدي". ويضيف: "اعتقد ان هذا هو السبب الرئيس في نجاح الدراما خاصة اننا نشهد متغيرات كثيرة ووقائع كثيرة واحيانا نحن منهجنا لا ينقل الصورة الحقيقية من خلال الوسائل الاخرى التقليدية التى تتحدث تنظيرا اكثر ما تتحدث عن واقع، فيما هذه الدراما بعيدة عن التنظير وتتحدث ببساطة ويدعمها الواقع المشاهد، اما الروائي فنجده يتكلم عن واقع بعيد عنه لذلك يفترض ان يترجم افكاره من خلال ما يطرحه ليعكس واقعا حقيقيا وليس واقعا مخمليا غير موجود".