يعتقد بعض المواطنين الذكور أن القطاع الخاص والقطاع العام قد بَالغا بعض الشيء خلال الفترة الماضية في توظيف المرأة على حساب توظيف الرجل، مما سيتسبب في رأيهم عاجلاً أم آجلاً في ارتفاع معدل البطالة بين الذكور، سيما حين النظر إلى الانخفاض المتسارع في معدل البطالة بين النساء خلال الأرباع القريبة الماضية من عامي 2020 و2021 مقارنة بمعدل البطالة بين الذكور. حيث على سبيل المثال أظهر التقرير الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء ارتفاع معدل البطالة للذكور السعوديين إلى 7.2 % في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بمعدل 7.1 % في الربع الرابع من العام الماضي، في حين انخفض معدل البطالة بين الإناث السعوديات إلى 21.2 % خلال الربع الأول من عام 2021 مقارنة بمعدل 24.4 % في الربع السابق. قد يكون صحيحاً للوهلة الأولى والنظرة الخاطفة والسريعة، ارتفاع معدل البطالة بين المواطنين الذكور وانخفاضها في المقابل بين المواطنات الإناث، سيما لو نظرنا تاريخياً إلى معدل البطالة بين الذكور الذي كان منخفضاً للغاية في الماضي، حيث قد بلغ 4.9 % في الربع الرابع من عام 2019. ولكن في نفس الوقت يجب أيضاً أن تكون النظرة عادلة ومنصفة بالنسبة لمعدل البطالة بين الإناث المواطنات، الذي كان يشهد في الماضي ولا يزال معدلات مرتفعة للغاية، حيث على سبيل المثال بلغ معدل البطالة بين المواطنات الإناث 31.7 % في الربع الأول من عام 2019، وذلك لعدة أسباب؛ منها اجتماعية ترتبط بالعادات والتقاليد، وأخرى ترتبط بحكر بعض الأعمال وقصرها على الذكور. أحد أبرز مستهدفات رؤية المملكة 2030، رفع مساهمة المرأة ومشاركتها في سوق العمل إلى 30 % بحلول عام 2030، مما تَطلب فتح مجالات عمل أكثر للمرأة مقارنة بالماضي وتسهيل إجراءات توظيفها والذي نتج عنه بطبيعة الحال الانخفاض الملحوظ في معدل البطالة بينهن. انطلاقاً من رؤية المملكة 2030 وبرامجها حظي ملف المرأة باهتمام كبير من الحكومة السعودية، وبالذات من الجهات ذات العلاقة التي من بينها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزارة التجارية وغيرهما ما تسبب في تسارع خطوات المرأة السعودية نحو التمكين بفضل صدور العديد من القرارات والتشريعات والأنظمة التي تعزز من مكانتها في المجتمع، بحيث تصبح شريكًا فعالًا في التنمية الوطنية في جميع المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها على جميع المستويات. من بين المبادرات والبرامج على سبيل المثال لا الحصر؛ توسيع خيارات العمل أمامها وزيادة مشاركتها لضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين، بما في ذلك تقلدها للمناصب القيادية الهيكلية العليا في الأجهزة الحكومية عن طريق مجموعة من المشاريع الداعمة لذلك. ومن بين المبادرات والبرامج كذلك: مبادرة تشجيع العمل عن بعد، ومبادرة تشجيع العمل المرن، وبرنامج وصول، وبرنامج دعم التوظيف لرفع المهارات. تُوجت الجهود الحكومية بتحقيق المملكة لقفزات نوعية فيما يخص تمكين المرأة وزيادة مشاركتها الاقتصادية في سوق العمل، حيث قد بلغ معدل المشاركة الاقتصادية للإناث السعوديات من 15 سنة فما فوق 33.5 % بنهاية 2020، في حين تضاعفت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 17 % إلى 31.8 % متجاوزين بذلك مستهدف الرؤية لعام 2030 للوصول إلى نسبة 30 %. كما وقد بلغت نسبة النساء في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا 30 % في القطاعين العام والخاص خلال العام الماضي 2020. وأظهرت المؤشرات ارتفاع نسبة النساء السعوديات في الخدمة المدنية إلى 41.02 % بنهاية 2020. أخلص القول؛ أنه من حق المرأة السعودية أن تحظى بالمساواة في فرص العمل المتوفرة بالسوق، بما في ذلك المساواة في الأجر فيما بين الرجل وبينها، سيما وأنها تشكل نحو نصف تركيبة المجتمع السعودي (49 %)، وأن مشاركتها لا تزال منخفضة في المحور الاقتصادي والتنظيمي، بما في ذلك أجرها منخفض عن الرجل. وما يؤكد على ذلك ما كشفه التقرير الخاص الذي أعده مركز التحليل الإحصائي ودعم القرار بالهيئة العامة للإحصاء بعنوان "المرأة السعودية شريك النجاح" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 2020، حيث كَشف التقرير أن التوزيع النسبي للمشتغلين السعوديين 15 سنة فأكثر حسب القطاعات والجنس بالقطاع العام تبلغ 38 % للإناث مقابل 62 % للذكور وفي القطاع الخاص تبلغ 32 % للإناث مقابل 68 % للذكور. وبالنسبة لمستوى الأجور والدخل، فقد أظهر التقرير أن المتوسط الشهري لمستوى الدخل المرتفع للرجل السعودي يبلغ 13,956 ريالاً سعودياً مقابل 12,956 ريالاً للمرأة السعودية، و5,221 ريالاً سعودياً للرجل بالنسبة لمستوى الدخل المتوسط مقابل 4,747 ريالاً سعودياً للمرأة. ولكن رغم ذلك وذاك، أرى أهمية الموازنة بين توظيف الرجل والمرأة، وأن يستند التوظيف إلى الكفاءة والمؤهلات والقدرات، وليس لمجرد أنها امرأة سعياً وراء تحقيق نسب توظيف مرتفعة لهن، وبهذا سنتفادى معالجة مشكلة بخلق مشكلة أخرى تتسبب في رفع معدل البطالة بين الذكور في المملكة.