دوّن هذه اليومية الرحالة السويسري بوركهارت في الفترة التي مكث بها مع البدو في جزيرة العرب ما بين 1809 - 1812م خالط خلالها بعض قبائل الشمال ونقل كثيراً من مظاهر الحياة في البادية وفي إحدى يومياته التي احتواها كتابه «ملاحظات عن البدو» أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز يذكر بأنه عندما يقترب العرب في الربيع من تخوم سورية وكان بدو الشمال يتنقلون حيث المرابع وهطول المطر لا تقيدهم حدود يخرج نحو عشرين تاجراً من الباعة الجوالين من دمشق إلى القبائل المختلفة حاملين معهم كل البضائع التي يحتاجها البدو مما ينتج في تلك المدينة من أوانٍ وملابس وبارود ورصاص ومسامير وحديد وأحذية خيل وسيوف وقهوة وتبغ وحلويات وتوابل ولجم لخيول الشيوخ وغير ذلك. ويدفع كل واحد من هؤلاء التجار الصغار ضريبة صغيرة لشيخ القبيلة التي يتردد عليها. فيحصل على حمايتها، ويتمتع بكل ما يتمتع به العربي الحر من مميزات. مشيراً إلى أن كل رأس المال المستعمل في هذه التجارة لا يزيد على خمسة أو ستة آلاف جنيه إسترليني. ولكل تاجر خيمته وإبله الخاصة. وعندما يزور القبيلة نفسها عدد من التجار فإنهم ينصبون خيامهم متجاورة، وبهذه الطريقة يكوّنون نوعاً من السوق التجاري. ويتبعون المخيمات أينما تذهب، ويتعرضون تقريباً للخسائر التي يتعرض لها العرب أنفسهم في أي غزوة أو غارة. لكن لأن ثرواتهم كما يقول بوركهارت تتكون من البضائع بصفة رئيسة فإنه يبقى لهم منها ما هو في خيامهم وإن أخذ الأعداء الإبل في أثناء الليل. وقد عرف بوركهارت كما قال واحداً من هؤلاء الباعة فقد كل ثروته في أربع مرات مختلفة. لكنه استعادها مرة لأنه عرف الشخص الذي أخذها في أثناء الفوضى التي سادت نتيجة الهجوم الليلي ولما كان اللص من قبيلة تسلم شيخها ضريبة حماية من التاجر، وأنه أصبح ذا علاقة أخوية أجبر حامية الحرامي على أن يعيد ما سرقه من بضائع. ويستطرد بوركهارت أن هؤلاء التجار يبيعون كل بضائعهم بأجل مدته عام. وفي العام التالي يأخذون مقابل ذلك سمناً وغنماً مما يجلبه البدو في الشتاء إلى دمشق. وإذا رغب سائح أوروبي أن يزور الصحراء الواقعة بين دمشق والخليج في شرقي الجزيرة العربية فقد يكون من الأفضل له أن يحاول إنجاز مهمته بمساعدة هؤلاء الباعة المتجولين. فهم كما يصفهم بوركهارت رجال أمناء ولهم تقدير جيد عند البدو، ونصفهم مسيحيون يتمتعون من شيوخ العرب بالحماية نفسها التي تمنح للأتراك. ذلك أن أولئك العرب ليسوا مسلمين متزمتين، وليست لديهم أي تفرقة بين المذاهب والديانات. وتتقاضى القبائل الرئيسة إتاوة، أو ما سمي خوة، من قرى سورياالشرقية التي يخيمون قربها في الصيف. ووجود رجل من القبيلة التي دفعت إليها الإتاوة يكفي للحصول على الحماية من أي نهب يرتكبه عرب تلك القبيلة ما عدا اللص الليلي الذي لا يشعر أنه ملزم شخصياً بعدم ارتكابه ذلك. وتدفع الإتاوة، عادة، إلى الشيخ أو إلى أحد كبار القبيلة، الذي يصبح أخاً للقرويين ويسمى القرية أخته. ومن هذه التسمية تسمى تلك الإتاوة «خوة». وحين يتفق على ذلك بين قرية وعربي؛ ويسمى عاقد النية، يطلب أن يدفع إليه جزء من المبلغ السنوي المتفق عليه فوراً. فيشتري منه بعض المأكولات التي يوزعها بين أصدقائه حتي يكونون شهوداً على عقد الاتفاق لكونهم أكلوا جزءًا من الخوة وأي شيء يطلبه في غضون السنة هدية صغيرة ممن يدفع له الخوة إضافة على الخوة المقررة يعده واجباً في السنة التي تليها كما أن الهدية الصغيرة التي يسألها في السنة الأخرى تصبح واجباً في السنة الثالثة بالطريقة نفسها وهذا هو الحال فيما يتعلق بالصرة أو الضريبة التي دفعها الرحالة نفسه كما يقول لإحدى القبائل والقبائل العربية الأخرى والتي تراوحت في السنة الماضية بين خمسين وستين ألف جنيه. التجار يتنقلون بتجارتهم في الصحراء حليب الأغنام أحد مصادر الدخل