لاحظ المستعرب الفلندي جورج فالين أثناء اقامته ببلدة ( معان ) سنة 1845م وكانت أكبر بلدان طريق الحج السوري واحدى أكبر بلدان تجمع قبائل شمال الجزيرة العربية لاحظ وجود أكثر من مائتي عائلة تنحدر من سبعة بطون مختلفة , وقد اختلطت بالمهاجرين النازحين إليها من القرى السورية الأخرى . وهم أقوياء البنية , سوريو الملامح , باستطاعتهم تعبئة قوة من ثلاثمائة محارب جعلت باستطاعتهم تخفيض مقدار (الخوة) التي يفرضها عليهم شيوخ القبائل المجاورة أو رفضها تماما مما عزز قناعته أن لا منطق في الصحراء غير منطق القوة سواء لدى القبائل الرحل أو المقيمين داخل المدن والتي جعل منها منطلقا لدراسته عن ( منح الحماية ) في الصحراء خرج منها بنتيجة شاملة ذكرها ضمن كتابه رحلات فالين إلى جزيرة العرب وذكر منها: (الخوة) التي تفرضها جميع القبائل الأصيلة على مدن البادية وقراها, وعلى المسافرين والتجار والقبائل المختلطة أو الوضيعة , الفقيرة منها والضعيفة , تستند على الأرجح إلى زعم البدو أن الصحراء إنما هي أرضهم الموروثة , وأن من حقهم فرض الخوة فيها . وكل بقعة من هذه المنطقة كانت ذات يوم ملكاً لقبيلة معينة ولم تكن هذه القبيلة لتسمح بإقامة قرى في المنطقة ولا لتجيز للقبائل الأخرى دخولها , أو تسمح للغرباء بالمرور فيها إلا ب ( حماية ) تشرى من سادة الأرض , وهذه الحماية هي الجزية . والحماية تمنح بسهولة إذ يكفي أن يهدي المسافر الغريب أحد أفراد القبيلة , رجلاً كان أم امراة أم طفلاً , هدية صغيرة , أو أن يشاركهم الخبز والملح حتى يحتسب أخاً لهم . أما شروط منح القرى حماية فتخضع لتقاليد قديمة : وذلك أن تدفع القرية الخوة ثياباً تقدمها لشيخ القبيلة الرئيسي ولأصحاب النفوذ في البطون المختلفة , وفي نجد تدفع تمراً وذرة . والحماة يطلبون أن تستقبلهم القرى ( التي يحمونها ) بحفاوة , وأن تستضيفهم بكرم فيما إذا زاروها . ويطلبون كذلك أن تساعدهم في الأحوال الطارئة , وهم يدافعون عنها ويحمونها من تطلبات القبائل الأخرى ويقومون أيضاً بدور الوسطاء في النزاعات التي قد تنشب بينها وبين القبائل. و(الخوة) شائعة بين العرب الرحل أيضاً . وهي تختلف بعض الأختلاف عن تلك التي ذكرتها سابقاً . فالصلات بين القبائل على ثلاثة أنواع : هناك قبائل تصل بينها أخوة لا تقتصر على التحالف فحسب بل تشمل أيضاً حماية الغرباء والقرويين الذين هم على علاقة أخوية بها , وهي حماية ترد عن هؤلاء ما قد تفرضه عليهم القبائل غير الحليفة . ثم إن هذه القبائل المتحالفة لا تؤدي إحداها أية جزية لأخرى , وتعد نفسها متساوية في أصلها العريق . وهناك ثانياً , قبائل تتواصل صداقة تضمن لها الحماية المتبادلة من اعتداء الأغراب عليها , إلا أنه لا يحق لأي منها أن تحمي الغير من مطالب أصدقائها . اما إذا لم يكن هنالك علاقة صداقة , أو أخوة , فالقبائل عدوة بعضها لبعض , (يدها على كل فرد, وكل فرد يده عليها). وبعض عرب الصحراء يعدون جميع المزارعين الحضر أعداء طبيعيين لهم , ولا يجيزون إقامتهم في أراضيهم إلا بحماية يمنحونهم إياها لقاء أكبر ثمن يستطيعون الحصول عليه . وما إن يشتد أولئك المزارعون بأساً وثروة حتى يسعوا إلى رفض تطلبات البدو الرحل , أو إلى تخفيضها , كما هو الحال في القرى المصرية التي كانت قبل حكم محمد علي تحت رحمة بدو الجوار , وكما هو الحال اليوم في معان التي كانت حتى السنوات الأخيرة تحت رحمتهم , وإن بدرجة أقل . والبدو الذين يحتقرون الجبن والاتكالية يقرون في الغالب مقاومة المزارعين تلك بل يقرون موقفهم الحازم , فينتج عن هذا أنهم يوطدون صلتهم بهم حتى لتصير هذه الصلة وثقى , كما هي الحالة في معان حيث يقدر البدو رجولة سكانها وشجاعتهم , ويرونهم أهلاً لهذا التقدير أكثر من أهالي معظم القرى الأخرى , وهذا يساهم كثيراً في تسهيل الاختلاط بين الفريقين وإحياء تجارة متبادلة نشيطة لم أشهد أنشط منها في أي مكان آخر في هذا الطريق , تقوم على المقايضة بين معان وسكان الصحراء المحيطة بها. أكثر ما يرغبه البدو من السلع هو الثياب والبارود والرصاص والأسلحة والتوابل والبن والسكر الذي صار مرغوباً به كثيراً حتى في الصحراء. ومقابل هذه السلع يعطي البدو الجمال والغنم والصوف والزبدة (السمن) والحليب.