لاشك ان الجزيرة العربية ارتبطت وتواصلت مع مصر وبلاد المغرب من ناحية ومع أوروبا والغرب من ناحية اخري عبر أرض شبة جزيرة سيناء ، حيث كان الحجاج لبيت الله الحرام وكذلك زوار بيت المقدس بالإضافة الي الرحالة الاوربيين والمستشرقين الغربيين ، يمرون عبر صحراء سيناء في طريق ذهابهم وعودتهم من بلاد الحجاز والشام ، ولهذا السبب يجد الباحث المتابع لشؤن القبائل العربية في الشرق الاوسط ، ان معظم الرحالة والمستشرقيين الذين كتبوا عن القبائل العربية القاطنة بجزيرة العرب وبصحراء سوريا والاردن ، تعرضوا بالكتابة كذلك عن القبائل العربية القاطنة بشبة جزيرة سيناء وخاصة قبيلة مزينة ، أثناء مرورهم خلال شبة جزيرة سيناء سواء في طريق الذهاب أو العودة ، أضف الي ذلك ان معظم قبائل شبة جزيرة سيناء هي امتداد من حيث النسب والاصول للقبائل العربية الموجودة بالحجاز وسائر صحراء شبة جزيرة العرب . ولقد كان مشرقنا العربي الإسلامي بصفة عامة من أهم المناطق التي اجتذبت الرحالة الأوربيين لدوافع وغايات مختلفة كحب المعرفة والاطلاع ، فشهد مطلع القرن التاسع الهجري ( الخامس عشر الميلادي ) بداية وصول الرحالة الاوربيين والمستشرقين الغربين الي بلادنا العربية والاسلامية قاصدين جزيرة العرب والاراضي المقدسة ، ولقد اتبع الرحالة السويسري بوركهارت John Lewis Burckhardt خطوات اسلافة من الاوروبين في هذا الصدد ، عندما ابحر في 14 فبراير 1809م الي جزيرة مالطة ومنها وصل الي مدينة حلب ودمشق ، فدرس اللغة العربية والقرآن الكريم والفقه والجغرافيا والتاريخ الإسلامي ، وبعد الإقامة هناك أكثر من عامين غادرها إلى مصر التي وصلها في سبتمبر 1812م ، ثم قرر أن يقوم برحلة إلى جزيرة العربية وخاصة مكةالمكرمة ، فانضم إلى قافلة حج مؤلفة من نوبيين وسودانيين وسار مع القافلة حتى وصل سواكن ، ومنها بحراً إلى جدة فوصلها بعد أسبوعين . ومكث في الحجاز مدة استغرقت أحد عشر شهراً ، ثم عاد إلى القاهرة وانشغل بمراجعة مذكراته التي كتبها , ولكنه أصيب بالزهار ووافاه أجله في القاهرة في أكتوبر 1817م . وقد نجح بوركهارت في وصف الحياة في بلاد العرب ، كما نجح في وصف التركيب السكاني والعادات والتقاليد الخاصة بالبدو ، وكذلك وصف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، كما وصف علاقات جزيرة العرب (بحجازها ونجدها وعسيرها) بشبه جزيرة سيناء ومصر والشام وذلك عن طريق وصفة الدقيق لطرق الحج المصري والشامي واليمني والطريق بين المدينة والقصيم ، مما جعل كتابات بوركهاردت تعتبر مصدراً لاغني عنة من المراجع التي يستطيع الباحث والدراس في العلوم الأنثروبولوجية والسوسيولوجية للبادية أن يعتمد عليها . ويمكننا تقسيم رحلات بوركهاردت حسب كتاباتة وحسب الترتيب الزمني لأربعة مراجع كالأتي : رحلات في بلاد الشام ، تبعها برحلات في بلاد النوبة ، ثم ملاحظات عن البدو والوهابيين ، وانتهي برحلات في شبه جزيرة العرب , وسوف نستعرض بإذن الله ماكتبة بوركهارت في رحلاتة الاربعة عن قبيلة مزينة العدنانية في شبة جزيرة سيناء ، ولاكن قبل ان نبدأ بإذن الله يجب التنوية علي أننا نعني بدرجة الاولي في هذة السلسلة ، قبيلة مزينة في شبة جزيرة سيناء ، والتي كتب عنها بوركهارت في كل رحلاتة الاربعة بلا استثناء ، ولاكننا اذا وجدنا اثناء بحثنا في كتابات بوركهارت انة ذكر بالإسم مزينة الحجاز من بين قبائل حرب ، فسوف نستعرض ما كتب عنهم ، ولهذا السبب سوف نبدأ بإستعراض ما كتب بوركهارت عن قبيلة مزينة في رحلتة التي جاءت في كتابة الموسوم " ملاحظات عن البدو والوهابيين " . ففي هذا الكتاب Notes on the Bedouins and Wahabys نجد ان بوركهارت تعرض بالذكر لقبيلة مزينة في معرض حديثة عن قبائل الطورة The Arabs of Tawara في شبة جزيرة سيناء , وتسمي القبائل التي تسكن جنوبسيناء ( مزينة والعليقات والصوالحة) بقبائل الطورة نسبة الي جبال الطور وكان بينهم ولازال حلف الطورة ، وقد نص بوركهارت في كتاباتة علي ان قبيلة مزينة تنحدر في نسبها واصولها التاريخية من قبيلة مزينة العريقة صاحبة المجد والتاريخ بأرض الحجاز ، والحقيقة ان هذا هو دأب جميع الرحالة الاجانب من الاوربيين والامريكان منذ مطلع القرن الخامس عشر , وكذلك الرحالة والنسابون العرب بلا استثناء الذين كتبوا عن قبائل سيناء عامة وعن قبائل الطورة خاصة . فالباحث والمحقق في هذا الصدد يجد ان نسب وأصول قبيلة مزينة العدنانية بشبة جزيرة سيناء قد ذكرة كل من تشارلز داوتي Charles Montagu Doughty في كتابة رحلات في صحراء العرب Travels in Arabia Deserta، وكذلك كتاب الرمال العربية Arabian Sands الذي كتبه ويلفريد ثيسيجرWilfred Thesiger, وأضف الي ذلك المستشرق وليم ليونارد جاج بالإضافة الي Carl Ritter . كل هولاء وغيرهم من الرحالة الكثير ذكرو بكل وضوح وجلاء نسب قبيلة مزينة في شبة جزيرة سيناء وامتداد اأصولها التاريخية الي ارض الحجاز ، وعلي العكس من ذلك فأنة من النادر جدا ان تجد رحالة تعرض الي ذكر اصول وانساب باقي قبائل الطورة الاساسية في شبة جزيرة سيناء ، ويرجع ذلك الي وضوح وثبوت نسب قبيلة مزينة العدنانية العريقة عبر التاريخ ، واحتفاظها كذلك بإسمها تصديقا لحديث الرسول الكريم علية أفضل الصلاة وأتم التسليم فيما معناة ومضمونة ، أن قبيلة مزينة باقية بهذا المسمي الي قيام الساعة . وكتب ايضا بوركهارت في هذا الكتاب Notes on the Bedouins and Wahabys عن ديار قبيلة المزينة ومناطق نفوذها في شبة جزيرة سيناء حيث ذكر ان ديار المزينة وحليفتها تمتد في الأجزاء الشرقية ، وهي بطبع العقبة ونويبع ودهب ، وكذلك تنتشر بالاجزاء الجنوبية ، وهي حسب الموقع الجغرافي تضم مناطق شرم الشيخ ورأس محمد حتي بلاد الطور ورأس سدر وابو زنيمة ، كما ذكر بوركهارت ان قبيلة المزينة في شبة جزيرة سيناء تستطيع هي وحليفتها في ذلك الوقت اي في الفترة (1810-1817) حشد وتجميع قوة بعدد بنادق يوازي قوامها نفس عدد بنادق الصوالحة . كما تعرض بوركهارت في كتابة Notes on the Bedouins and Wahabys بالذكر لقبيلة مزينة في الحجاز( شرق المدينةالمنورة ) في معرض حديثة عن قبائل حرب كبيرة العدد شديدة البأس The Bani Harab ، حيث وصف بوركهاردت تلك القبائل المندوية تحت لواء حرب بأنها ذات قوة كبيرة إلى الدرجة التي يمكن أن تعتبر كل منها قبيلة مستقلّة ، ومع هذا فقد وصف ايضا الروابط التي تربط تلك القبائل معأ بأنها أكثر متانة منها لدى قبائل عنزة ، كما خلع بوركهاردت او كاد علي قبائل حرب وصف " سادة الحجاز" . وعندما شرع بوركهاردت في الكتابة عن قبائل حرب في الحجاز بالتفصيل ، نجد انة قد بدأ بذكر قبيلة مزينة العدنانية العريقة حيث قال عنهم "قبيلة مزينة بمقدورهم حشد أربعمائة إلى خمسمائة خيّال وحوالي الفي بندقية "، ورغم ان بوركهاردت ذكر ان قبائل حرب كانت آخر القبائل التي انضمت للوهابيين ، إلا انة أشار الي ان قبيلة مزينة بشرق المدينةالمنورة اعتنقوا الوهابيّة قبل قبائل حرب الأخرى حسب تعبير بوركهارت . وفي معرض حديث بوركهاردت عن طبيعة قبائل حرب الكثيرة والمتعددة ، نجد انة وصفهم علي التواي كالأتي : بعضهم مستقرون وزرّاع للحقول بين التلال ، وبعضهم يعمل الكثير منهم زُراعاً ، وبعضهم القليل منهم زرّاع ، وبعضهم يقطنون في اودية في بيوت وسط مزارع النخيل وقليل منهم بدو ، وبعضهم الجزء الأكبر منهم بدو ، إلا ان بوركهارت عندما جاء علي ذكر قبيلة مزينة فأنة وصفهم بالنص " جميعهم بدو" . وعن مدي دقة وصحة معلومات بوركهارت عن قبائل حرب ، فإن الباحث والمحقق يلاحظ ان بوركهارت نص علي انة تعرف شخصياً إلى غالبية قبائل حرب ، وأكد عمق معرفتة بالقبائل التي تقطن المدينة (المنورة) وبالطبع هذا يعني قرب وعمق معرفتة بقبيلة مزينة وبشيوخها عن قرب في ذلك الوقت ، مما يجعل كلامة عن طبيعة قبيلة مزينة تصل الي أعلا درجات الدقة والمصداقية عندما ميزهم عن باقي قبائل حرب بوصف طبيعتهم بأن جميعهم بدو , وهذة حقيقة تاريخية ثابتة منذ زمن الجاهلية قبل الاسلام رغم سكن بعضهم لمدينة رسول الله صلي الله علية وسلم . ويستمر بوركهارت في تتبع ثقافة وعادات البدو في الجزيرة العربية وعلى الحدود السورية وفي شبة جزيرة سيناء ويهتم بكل التفاصيل الدقيقة التي لم يطرق اليها رحالة ولا باحث من قبل ، وقد أضاف إلى المكتبة العربية زاداً وافراً من المعرفة عن حياة البدو ، والي اللقاء في المقال القادم إن شاء الله. نبيل عواد المزيني باحث وكاتب عربي الولاياتالمتحدة الامريكية