تقيم الدلالة التعبيرية مسافتها التمثيلية في ساحة الوعي بمجاز لفظي يعتمد البوح المسير بالشعور، إذ إن التخيل يباكر المعنى، ويوائم المدلول الشعوري، ويفتح باباً لولوج المعنى إلى التمثيل، وفي أحيان كثيرة يقيم المد الشعوري مسافته بين المنطوق والوعي المكافئ للإدراك، حيث يصير المدلول التصويري مصاحباً للفيض الوجداني، ويصير التخيل مقابل الذات موازياً للتمثيل الروحي في مسافاته المدركة، بحيث يصير البوح مقيماً الذات المنطوقة، ومسرباً وعي الإدراك، وهذه اعتبارات منطقية تستخلص المدرك من التصور، وتوائم بينه وبين المد الشعوري في مسافاته المتخيلة، وعلى هذا الأساس تمتثل المدركات، ويستقيم البوح، وتساق المعاني للمخيلة، وتعتمد الإشعارات الذاتية بين الناطق بمدلوله وشعوره والمتخيل المكافئ للذات المنطوقة، ومن هنا تستوطن الإدراكات المخيلة، وتحتسب الإشعارات الذاتية في منطوق الوعي. وفي ديوان الشاعرة أمل المالكي (صدى البوح) تتوجد الذات في هيئتها المدركة، وتغيم الروح بمدلولها، ويهيمن المد الشعوري، وتفيض المشاعر، كما ترتقي الإدراكات إلى مستوى تخيلي رفيع، ما يباكر الشعور ويستجلي الرؤى، ويمتثل المدرك، وتسطر الإلهامات، إذ تتميز الشاعرة أمل المالكي بشعور مرهف، ولغة شفيفة فياضة، وحس بليغ، وموهبة رفيعة، مكنتها من استحضار البوح وتمثله بوعي روحي، جعل من ديوانها مساحة توجد، تغيم عليها الروح، وتمتثل بها الإدراكات بحضور وجداني، وذاتية رفيعة، تخاطرت فيها الشجون وتناغمت بها الأحاسيس، وتمازجت بها المشاعر، وتهامست بها المواجيد في عمل إبداعي راق، استلهم المدركات، فتدفقت رؤى الخيال، وتمازجت الروح مع الذات، وتواءم الخيال مع الشعور، فتناغمت اللغة مع التصورات المرئية واللامرئية للشعور، وتواكبت المشاعر في بوح حميمي دفاق يعبر عن الذات ببلاغة فائقة في التعبير كما هو حال قصائدها في هذا الديوان. وبالرجوع إلى قصائد الديوان، نلمس الروح المتسربة إلى مكامن الشعور، كما نتلمس الذات المهيمنة على الوعي بإيحاء راق ومنطوق مدرك، يستوعب شتى التصورات، ويناغم الكينونة ويمتثل الإحساس، ففي قصيدة (روحي فدى نبضي) ينتظم الشعور، حيث تغيم الدلالة المرئية والشجن الكامن في الروح، وتتماهى العاطفة مع الذات، كما تتسرب إلى المدرك العقلي حيثيات الشجن الكامن في النفس، حيث أن الشاعرة اعتمدت البلاغة التصويرية بدلاً عن الإيحاء الرمزي، وصورت الروح بإيماءة دلالية غيمت على النص، حيث تقول الشاعرة: نجواك في نبض الوجود مكين وهواك أشذى والشعور يقين ولأنت أنت الروح ملء جوارحي منها إليها في الحياة حنين روحي فدى نبضي أغير جفونه غامت وملء العالمين جفون إن قلت أنت الغيم جلك برقه رباه كيف الغائمات تكون إذ تناهى المدرك اللفظي في الشعور المسير بالروح، وتواءمت الدلالة مع المنطوق بالكيفية التي شيأتها الشاعرة، فتواكبت الأحاسيس باتجاه المد الروح الذي واكب الإدراك، فتمثلت العواطف وتناغمت الأشجان بتسريب إيمائي شفيف، استلهم المشاعر في النص، وامتثلت الأحاسيس بمدلولها الإيحائي، حيث أسهبت الشاعرة بالفيض الشعوري، وتمكنت من استقصاء المنطوق بهيئته التمثيلية، بحيث استدركت الإلهامات وامتثلت الأشجان، بينما استطاعت الشاعرة تكثيف المد الإيحائي وتمكين البوح من إجلاء عتمة الشعور، فتواكبت الإشعارات الروحية، وامتثل المنطوق بهيئته التصويرية والإدراكية والتعبيرية، التي تواءمت مع المدرك التخيلي والتمثيلي في النص، بينما في قصيدة (بوح أشواقي) تكيفت الإلهامات مع الشعور، وتمازجت رؤى البوح، حيث تسرب الوعي إلى المنطوق، وتدفقت الروح من معينها المنهمر، فتمثلت الذات، وتقدر البوح، فالإيماءة الخفية استنطقت بالمدلول الشعوري مكثفة الوجدان، وناغمت الذات، ما جعل من القصيدة بفيضها الشعوري روحاً متناغمة مع الأحاسيس التي تسربت إلى وعي القارئ، بحيث شافهت المنطوق، وانتظمت فيها الدلالة التي أحالت الشعور إلى تصوير ذاتي مندغم مع البوح، حيث مازجت الشاعرة بين الخيال والبوح، وأومأت بالإشارات الرمزية إلى المنطوق، كما هو قولها: حدقت ملء الغيم بين ترابي وسألت لكني سمعت جوابي كانت جفونك في المساء غريقة حاكت بماطرها الغزير سحابي يا بوح أشواقي وملئي ومضة حدرتها يوما هنا بكتابي أرجو المدى والغيم يمطرني شجى ليزيد من حدس الشعور عذابي من هنا كان التمثيل الضمني للمنطوق، وكانت الدلالة الموحية تسير بأفق الشعور، فتمثلت الأحاسيس بصورة مجازية موافقة للإدراك، بحيث تواكبت إلى الذات الإيماءات الخفية التي جعلت من الشعور أثيراً ناطقاً يواكب المد الروحي، مكيفاً مع المنطوق، وفي قصيدة (حدسي القريب) تكثفت الدلالة المعبرة عن الذات، فاستحضرت الذات بمنطوقها، حيث تولدت إيماءات التصور منبثقة من الفيض الوجداني، وانهمر الشعور فتفردت الذات بالتصوير المرئي، الذي واءم طبيعة البوح، وناغم بين المدرك العاطفي والفيض الشعوري، فتوجدت بذلك الروح واسترسلت الإلهامات بتعبير رمزي مدرك لوعي الذات، فتناهت المدركات بطريقة تصوير رمزي عبر عن المدلول الشعوري للروح، وهو ما قصدته الشاعرة بقولها: غيم بهذي الروح في الحاني يا عازفاً قيثارة الأشجان يا نابضاً والليل يتلو مهجتي ومهامساً هذا المدى وجداني اشتف خلف الغيب طيف منابعي وأذوب في بوحي وفي كتماني وأغيم ملء الأرض غيمة دافق تهمى ندى في الروح والأبدان فالتمثيل المدرك للعاطفة نبع من الشعور، فتمجدت الذات في استخلاصها الوعي المدرك، وباشرت الإيحاءات مدلولها بطريقة إيماء تصويري مدرك لمنابع الروح، وهنا غاية في الفرادة والتميز من قبل الشاعرة، حيث أيقنت الذات بخلود الشعور، ومن هنا قامت العاطفة مقام الروح في تهيئة المواجيد واستحضار الشعور، فنمت إلى المدرك التخيلي مسافة البوح، وتمثلت الرؤى الإيحائية بين الذات والمنطوق متواكبة مع فيض الوجدان ومسهبة في التصور، بحيث تمكن الشعور بمدلوله الرمزي من استحضار الروح، فتوجدت المدارك، وتناجت العواطف، وامتثل التصور المرئي بين الذات والمنطوق، وعلى هذا استقام البوح، وتفتقت الذهنية العاطفية، حيث أدركت الذات الحدس المهيمن على البوح، فتمثلت الرؤى في مدها الشعوري، وامتثلت المدركات في مسافات البوح، بحيث استمدت الشاعرة من الذات إيماءاتها الروحية معتمدة البوح الحميمي، ومصورة المنطوق بهيئة المدرك ومسافة التخيل، وفي أكثر من قصيدة من قصائد الديوان تتوجد الروح وتتسرب حيثيات الصورة البلاغية إلى مكامن الشعور، كما هو حال قصيدتها (قيثارتي) التي غيمت بشجنها المدرك، واستمطرت الشعور من زاوية البوح، فتقمصت المدارك للذات والروح، وتوجدت الإلهامات بطريقة تصور مرئي مهدت للذات البقاء خالدة ببوحها مقابل أثير الشعور فما أمكن تصوره من المشاعر استهلم بالمدرك العاطفي للذات، حيث تقول الشاعرة: قيثارتي هدهدي بالحب وجداني وغيمي في مدى بوحي وألحاني أنت انتظارات أشواقي وأنت معي فيض من الله في الأيام أرواني تبثك الروح يا قيثارتي شجني فمن تراه سواك نبض أشجاني وما يميز الشاعرة أمل المالكي في قصائدها هو المثول الاستحضاري للبوح، بحيث تعتمد الإيماءات المصورة للذات، وتصور المعنى قريباً من النفس، وتغيم بمدركها الشعوري على الروح، كما تمتاز الشاعرة بشفيف مدركها الروحي مناغمة الذات، ومصورة طبيعة النفس الإنسانية بمثول شعوري ووجداني ترتب له آفاقاً للخلود.