بينما دخلت انتفاضة أبناء محافظة الأحواز أسبوعها الثاني، نهضت مدن ومحافظات أخرى لدعم الأحواز، وتجمع أهالي وشباب مدينة أليكودرز بمحافظة جهارمحال وبختياري ليل الخميس وقاموا بإشعال حريق في ساحة الشهداء وسط المدينة، وأطلقت قوات القمع الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد، وعندما واجهوا مقاومة من المتظاهرين أطلقوا النار على الأهالي وسقط عدد من القتلى والجرحى، إلا أن شباب الانتفاضة دفعوا الشرطة والقوات الخاصة إلى الوراء من خلال عملية الكر والفر ورشقها بالحجارة وهم يرددون شعار "الموت لخامنئي"، واستمرت العملية حتى وقت متأخر من الليل. كما نظم أهالي شاهين شهر في محافظة أصفهان تجمعاً احتجاجياً دعماً لانتفاضة أهالي الأحواز يوم الخميس مرددين شعار "هيهات منا الذلة" و"دعم الأحواز"، كما اجتمع أهالي بلدة جنقان في محافظة جهارمحال وبختياري لدعم المواطنين في الأحواز، وأعربوا عن دعمهم لانتفاضة أبناء الأحواز بشعارات مثل "روحي فداء تراب إيران، روحي فداء مواطني الأحواز العطشى". كما تظاهر أهالي مدينة حر التابعة لقضاء دزفول وقاموا بإحراق الإطارات وإغلاق الطريق الرئيس بالمدينة، كما تظاهر شباب منطقة الحايي -شمال الأحواز- على طريق الأحواز - شوش، واحتج شباب الانتفاضة في منطقة دغاغلة بالأحواز على نقص المياه بعد إغلاق الطريق. وتجمعت مجموعة من سيدات الأحواز أمام مكتب الحاكم للاحتجاج وهتفن "أرادوا إذلالنا لكن لم نخضع للإذلال" و"نضحي بدمائنا وأرواحنا من أجل كارون". وفي الوقت نفسه، نظم شباب مدينة لالي -شمال الأحواز- مظاهرات وهتفوا "نحن أهل الأحواز، جميعنا ننتفض على الظلم". خطر الزوال لم يكن ما شهدته محافظة الأحواز الإيرانية مؤخراً من أزمة مياه واحتجاجات أمراً غير متوقع، ففي عام 2015 حذر عيسى كالانتاري -وزير الزراعة الإيراني الأسبق- من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني -60 % من السكان- على مغادرة البلاد، وشكا من أن المسؤولين في طهران تجاهلوا المشكلة لفترة طويلة للغاية، مضيفاً: "والآن فهموا المشكلة، لكنهم تأخروا إلى حد ما". ويقول الكاتب الصحفي الأميركي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء: إنه بعد عامين، تم منح كالانتاري الفرصة لعمل شيء ما بالنسبة للمصيبة التي تنبأ بها، فقد تم تعيينه نائباً لرئيس البلاد لشؤون حماية البيئة –أي فعلياً وزيراً للبيئة-، ومنذ ذلك الحين لم يفعل أكثر من ترديد المزيد من النبوءات الأليمة، ففي بداية هذا الصيف توقع اندلاع "حرب مياه" ستنتشر في المناطق الريفية، ما يعرض إيران لخطر "الزوال". ولم يكن ذلك أمراً مطمئناً للإيرانيين في المحافظات التي عانت شدة حرارة، ما وصفه وزير الطاقة رضا أرداكانيان بأنه الصيف الأكثر جفافاً منذ 50 عاماً، لكن قرى محافظة الأحواز التي لفحتها الشمس بحرها لم تحمل السلاح ضد كل منها الأخرى، ولم تحدث "حرب مياه"، فقد وجهت غضبها نحو الحكومة في طهران، فالمحتجون في أنحاء المحافظة يطالبون بسقوط النظام والمرشد الأعلى علي خامنئي. ولم يكن الأمر يتعلق بالمياه فقط، فندرة المياه مجرد أحد مظاهر فشل الحكومة المركزية في تقديم الخدمات الأساسية لمحافظة يتم استغلالها بضراوة للحصول على مواردها، كما أن هناك بعداً عرقيا للمظاهرات، إذ إن الأحواز هي موطن معظم الأقلية العرقية العربية في إيران، التي تشعر بتجاهلها -وأحياناً يتم النظر إليها بعين الشك- من جانب طهران. وهذه التركيبة القابلة للاحتراق تشتعل كل صيف، والحريق الناتج يزداد اشتعالاً سنوياً وينتشر على نطاق أوسع، وتواجه طهران ذلك دائماً باستخدام القوة الغاشمة على يد رجال الشرطة والحرس الثوري الإيراني وميليشيات البسيج التابعة لها، ومن المرجح إذا ما استمرت الاحتجاجات، أن يتصاعد العنف الشهر المقبل مع تنصيب الرئيس الجديد، رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي. وهناك مشكلات أخرى ملحة في انتظار رئيسي، فاقتصاد إيران في حالة محفوفة بالمخاطر، وقد توقفت المفاوضات لرفع العقوبات الأميركية، وتواجه البلاد موجة جديدة من حالات الإصابة والوفاة بسبب مرض كوفيد- 19، كما يواجه الرئيس الجديد شكوكاً حول شرعيته السياسية -إذ إن انخفاض مستوى المشاركة في التصويت لأدنى مستوى تشهده إيران حتى الآن- قوض انتخابه بعد استبعاد كل منافسيه الحقيقيين. ولكن يمكن القول إن أزمة المياه هي أكثر تحديات رئيسي تعقيداً، فاتجاهات تغير المناخ تشير إلى أن فصول الصيف ستكون أشد حرارة وجفافاً في السنوات المقبلة، ومصادر المياه الجوفية في إيران قد نضبت بالفعل إلى حد خطير، ومثل خامنئي يعتقد رئيسي أنه لكي تعزل إيران نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها "اقتصاد صمود"، يُعتبر الاكتفاء الذاتي الزراعي أهم دعائمه، ومن الواضح أن هذا أمر مستحيل بينما تواجه إيران ما وصفه علماء البيئة بأنه إفلاس مائي وشيك. ويقول جوش: إنه من سخرية القدر أن ندرة المياه هي إلى حد كبير نتيجة رغبة النظام في تحقيق الاستقلال الزراعي، فطوال عقود شجعت طهران على زراعة المحاصيل الأساسية على نطاق واسع، حيث حفزت المزارعين على استغلال كل المياه الجوفية التي يستطيعون الحصول عليها، ونتيجة لذلك، يتوقع علماء البيئة جفاف خزانات المياه الجوفية في 12 محافظة من محافظاتإيران ال31 خلال الخمسين عاماً المقبلة. ويضيف جوش أن المياه فوق الأرض تزداد ندرة أيضاً، وقد أدت إقامة السدود الكثيرة على أنهار الأحواز إلى أن تصبح بحيرات المحافظة جافة. ويختم جوش تقريره بقوله: إنه ليس من الصعب التنبؤ بالتداعيات السياسية لكل ذلك، سوف تكون هناك هجرة بسبب المناخ على نطاق ملحمي، وإذا كان عدد من سيهاجرون الذي تنبأ به كالانتاري وهو 50 مليون نسمة يبدو مرتفعاً، فإن أعداداً كبيرة للغاية من الإيرانيين بدؤوا بالفعل الانتقال من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية، مما يضاعف أعداد العاطلين والغاضبين. وقادة طهران ليسوا في حاجة لتذكيرهم بالمرة الأخيرة التي حدث فيها هذا، إذ إن سخط الطبقة الدنيا في المناطق الحضرية كان الشرارة التي اشعلت ثورة 1979 التي أقامت الجمهورية الإيرانية. انتفاضة المياه في الأحواز تهدد نظام الإرهاب