نتساءل كيف تنتقل بعض النسوة من كونهنّ ضحايا للقمع الأسري والمجتمعي، ليصبحنَ أداةً لتنظيمات أجنبية سرعان ما تتخلى عنهن بمجرد أن يحققن ما رسمته لهن وعلى رأس ذلك الهجوم على الوطن وعلى الدين والسلوك الاجتماعي؟.. من متابعة نشاط المنظمات المتطرفة دينيًا أو سياسيًا أو حقوقيًا، نلحظ تجنيدها النسوة لاستغلالهن في أمور شتى لخدمة أجندتهم، وذلك حسب قدراتهن واستعدادهن النفسي والأسري وأيضاً المهني، وتتمثل مشاركتهن في نوعين: النوع الأول تجنيدهن كعنصر للاستقطاب والترويج لفكر من جندهن، وذلك بين الأهل والأقارب والجيران وزميلات العمل. والنوع الثاني يكلف للتواصل مع الإعلام الخارجي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ دعاية للأفكار التي جندن لها، وتحريضًا على الدولة، ودفاعًا عمن سجنّ من متطرفات وإرهابيات. إن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان المتابعين للحراك النسائي في هذه الفضاءات هو لماذا يسهل التأثير على المرأة فيسلس قيادها يمينًا أو يسارًا؟ لا شك أنّ المرأة هي الوعاء الأكثر قدرة على نقل الأفكار وإيصالها للآخرين، وأكثر قابلية للتأثر والتأثير، علاوة على تميز المرأة المؤدلجة بالاندفاع والحدّة والعناد وعلو الصوت والحماسة والإيمان بالأفكار التي تُغرس في ذهنها فتصبح سريعة الانقياد لأصحابها، كما لا ننسى قدرتها على الحضور في فضاءات لا يستطيعها الرجل بحيث تكون عينًا للتنظيم، ويؤكد هذا الدور سيد قطب بقوله: إن "من واجبها مراقبة كلّ ما يجري حولها في المجتمع ما يمكن أنْ يسبب خطرًا على المجتمع والدين". فيما يتعلق بالمنتميات إلى الجماعات الإرهابية تشير بعض التقارير إلى أن بعضهن ترعرعن في بيئة تعرضن فيها لعمليات غسل الدماغ، وسعين في الغالب إلى أهدافهن تحت تهديد رجال التنظيم، وبعضهن تزوجن من عناصر التنظيم سواء في ذلك الإخوان أو القاعدة أو داعش بتشجيع من الأب أو الأخ المتعاطف مع الفكر الإرهابي أو المنتمي له، وقد رأينا كثيرًا من تلك الزيجات، وفي أحيان كثيرة تتعلق المرأة نفسها بالإرهابي نتيجة إيمانها بفكره وبعدالة قضيته، فتسعى جاهدة للزواج منه كالإرهابية السعودية التي تزوجت الإرهابي الزرقاوي في العراق، بل إن بعضهن سعين إلى الزواج من الإرهابي وهو في سجنه! وسواء انخرطت امرأةٌ ما في (الجهاد) بإرادتها أو رغمًا عنها، فإنّ معظم النّساء فاجأن العالم باتخاذهنّ خطوةً كبيرةً إلى الوراء؛ فكثيرون سمعوا بأم البراء، وأم القعقاع، وغيرهما من نساء حملن السّلاح ثم خضن القتال أو انتشر نشاطهن الدّعوي والتجنيديّ لأخريات في بلدان أخرى. وتصف الباحثة التونسية أمل قرامي هذا السلوك بقولها: "يعدّ إرهاب النساء ظاهرة معقدة إزاء تداخل جوانب نفسية وأيديولوجية ومجتمعيّة متعدّدة ضمنها، ناجمة عن خصوصيّة جندرية، لا سيما في المجتمعات العربية والإسلامية"! لقد استغل الإخوان والقاعدة ولاحقًا داعش المرأة فجندوها للانخراط في العمل الإرهابي لجمع الأموال لمعرفتهم بحب الناس لعمل الخير، فتتدفق الأموال والذهب والمجوهرات عليهن فيسارعن إلى إرسالها للإرهابيين عبر وسطاء، كما تستخدم بعض النسوة المنتميات للتنظيم في نقل الرسائل مكتوبة أو شفهية بين قادة التنظيمات الإرهابية، والاستعانة أحياناً بأبنائهن أو كبار السن من أسرهن الذين لا يدركون خطورة ما تقدم عليه النسوة الإرهابيات، كما يساهمن في توفير الملجأ والمؤونة والمعلومات للإرهابيين، وشكلت بعضهن الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين، كتلك التي احتفظت برأس القتيل الأمريكي في ثلاجتها. كما جندت التنظيمات النسوية المتطرفة بعض النسوة فحرضوهن على الخروج على أسرهن وعلى بلدانهن بركوب موجة الحقوق وهي في ظاهرها كلمة حق تحوي في داخلها كثيرًا من الباطل، وهذا هو - الإرهاب النسوي - حسب عبدالعزيز المطوع ولا "علاقة للمرأة به، ولا شأن للنساء بتحديد أهدافه وآلياته وضحاياه الحقيقيين أو الافتراضيين، بل توجهه منظمات وهيئات دولية لا علاقة بين نشاطها المحوري وبين المرأة لا من قريب ولا من بعيد..، ومع ذلك فإنها تتخذ من قضايا المرأة كاسحة ألغام يقودها هذا الإرهاب للوصول إلى مآربها"! وهنا نتساءل كيف وصل الأمر بالمرأة التي هي عنوان الرحمة إلى التضحية بذاتها وأطفالها وأقربائها تحت مظلة الوفاء للإرهابيين؟ وكيف يعقل أن في مجتمعنا نماذج من النسوة المتطرفات اللاتي يُقدن من الخارج فيندفعن وراء تلك الأفكار التي تزعم المطالبة بالحقوق اندفاعًا جنونيًا تجاوز حدود الدين والمثل العليا والقيم الأسرية، بل التقاليد والعادات التي تؤطر المرأة بأطر خاصة فتحميها عندما تفتقد سلطة العقل المسيطر والموجّه لأفعالها؟ وقد استطاعت التنظميات الإرهابية التغلغل في المجتمعات العربية عبر المدارس والجامعات والمراكز الصيفية ببث ثقافة التطرف الديني والانغلاق، وكانت تعمل بكل حرية دون أي ردع أو مراقبة كما كان يحدث في بلادنا ذات جحيم صحوي. أمّا المنظمات النسوية التي تزعم المطالبة بالحقوق فقد اخترقت البنية الاجتماعية والأسرية لبعض النسوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفازية والجوالات الخاصة، المثير أن هذه المنظمات لا تهدف للبناء العلمي والأخلاقي والإنتاجي عند المرأة، بقدر ما تحرص على تحويلها وسيلة يستغلونها للوصول إلى أهدافهم، ولا يلقون بالًا للتضحيات التي ستقدمها كعقوقها لوالديها والتضحية بوطنها وكرامتها واستقرارها وحياتها الأسرية، وذلك بالتركيز على النماذج الشاذة والمريضة واستثمارها لتحويل المرأة إلى وحش كاسر تحركه دوافع الانتقام من الوطن والأسرة بدلًا من إيجاد صيغ للتعايش أكثر عملية وصلاحية للمجتمع البشري وأقرب للفطرة الإلهية. وقد استطاعت تلكم المنظمات تحقيق أهدافها بإيهام المرأة بأن الضوابط الدينية والمجتمعية، والأنماط السلوكية والأخلاقية، مجرد أغلال وسلاسل تعيق حراكها وتدمر إنسانيتها. ختامًا، نتساءل كيف تنتقلُ بعض النسوة من كونهنّ ضحايا للقمع الأسري والمجتمعي، ليصبحنَ أداةً لتنظيمات أجنبية سرعان ما تتخلى عنهن بمجرد أن يحققن ما رسمته لهن وعلى رأس ذلك الهجوم على الوطن وعلى الدين والسلوك الاجتماعي؟ وقد رأينا بعضهن وقد انتهين إلى التسول في شوارع الغرب، وبعضهن دُفعن دفعًا لممارسة أفعال يندى لها الجبين، ويجبرن على التباهي بأفعالهن على مواقع التواصل الاجتماعي.