كشفت وزارة الداخلية قبل فترة عن محاولة سيدتين برفقة عدد من الاطفال السفر الى خارج الحدود وتحديدا الى اليمن، وقالت ان ما أقدمت عليه السيدتان شكل صدمة للمجتمع السعودي المحافظ فقد ضربتا بكل المبادئ عرض الحائط وتخليتا عن مشاعر الحب والأمومة لتقدما نفسيهما وابناءهما قرابين في سبيل «القاعدة». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف وصل الأمر بالمرأة التي هي عنوان الرحمة إلى التضحية بذاتها وأطفالها وأقربائها تحت مظلة وفاء للإرهابيين؟ وكيف يعقل أن في مجتمعنا هذا النموذج لامرأة أفضى بها التطرف إلى اندفاع جنوني تجاوز حدود الدين والمثل العليا والقيم الأسرية، بل التقاليد والعادات؟ وكيف استطاعت تلك الأم التي حملت وأرضعت، أن تتحول إلى الجريمة المنظمة؟ وكيف تحرض امرأة على احتلال الوطن؟ «عكاظ» طرحت عدة أسئلة حول قضية «الإرهاب النسائي» في المملكة ومدى خطورته في مجتمع يحترم خصوصية المرأة. مختصون في الجرائم الإرهابية قالوا ان استخدام الجماعات المتطرفة للمرأة ليس إلا دليلا على نجاح حملات التضييق والملاحقة الأمنية لتلك الجماعات، وقللوا من دور النساء كونهن لسن مرغوبات في العمل لدى الجماعات المتطرفة، فيما حذروا من استغلال المرأة عبر المنابر الدعوية، ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر الفكر المتطرف، او تمويله عبر مؤسسات الاعمال الخيرية، وطالبوا عبر «عكاظ» بضرورة مراقبة التجمعات النسوية الدعوية، ومعرفة ما يدور فيها، ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح من خلال داعيات يتبنين الفكر المعتدل. استخدام العنصر النسائي في الإرهاب في البداية يشير المتخصص في الجماعات المتطرفة والإرهاب وعضو كلية الملك خالد الأمنية الدكتور منصور سالم الشمري الى ان استخدام العنصر النسائي ليس محصوراً على الجماعات المتطرفة، فلقد تفوقت روسيا -مثلا- باستخدام العنصر النسائي في المخابرات العالمية كاستخدام المغنية الروسية بليفيتسكايا 1879-1940 التي تم إعدامها في ما بعد، ويتم استخدام العنصر النسائي بطرق قانونية وأخرى لا إنسانية في مجالات متعددة وكثيرة بالعالم اليوم، والذي يهمنا هنا هو تجنيد النساء لتنفيذ مخططات الجماعات المتطرفة واستغلال العنصر النسائي غرائزيا ولوجستيا من قبل الجماعات المتطرفة، ففي عام 2003 بدأت القاعدة بإصدار بيانات عن تجنيد النساء، وفي عام 2004 ظهر موقع «الخنساء» على الإنترنت وقامت مؤخراً داعش بإنشاء كتيبة نسائية داعشية وكتيبة أم ريان، وتضمن موقع الخنساء شروحا للنساء عن كيفية دعم الجهاد بطرق مختلفة، والإشارة إلى العمل على إيجاد منطقة غير مستقرة داخل البلد. وبين الشمري ان سبب استخدام العنصر النسائي من قبل التنظيمات المتطرفة يرجع لأمرين، الأول: محاكاة للعمليات الاستخباراتية العالمية التي حققت نجاحاً باستخدام العنصر النسائي، وهذه إشارة توحي بوجود عمليات اختراق للجماعات المتطرفة، السبب الثاني: يتم استخدام العنصر النسائي حسب الظروف المكانية والزمانية، وتحديد مدى الاستفادة من استخدام المرأة من خلال طبيعة البلد أو المجتمع المستهدف، فالمجتمع الذي تتمتع المرأة فيه بخصوصية عالية يتم تجنيد العنصر النسائي فيه لوجستياً، كعمليات نقل المعلومات السرية. البحث عن تحقيق الذات ويرى الدكتور منصور الشمري سببا آخر لاستخدام الجماعات المتطرفة للعنصر النسائي وذلك بسبب وجود ملاحقة قانونية للجماعات الإرهابية حيث تحاول من خلال استخدام المرأة فتح أكثر من جبهة، والأهم من ذلك أن الجماعات المتطرفة تقوم على فلسفة قوية وهي الإضافة المستمرة للمحتوى الجهادي، مشيرا الى ان هناك عوامل تجعل المرأة تبحث لتكون عنصراً مهما بتلك الجماعات من خلال البحث عن تحقيق الذات. دور النساء في الجهاد ويقول المختص في شؤون الجماعات الإرهابية الكاتب والصحافي حمود العتيبي الزيادي: ان محاولة استقطاب المرأة السعودية من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي ليست وليدة اليوم أو الأشهر القليلة الماضية بل تعود إلى أكثر من عشرة أعوام منذ أن بدأ التنظيم في عملياته الإرهابية في داخل المملكة وتحديدا عام 2003م، وجاء أول ملمح لتوظيف المرأة من خلال حالة «التمظهر بالمظهر النسائي» عبر محاولة العناصر الإرهابية الذكورية استخدام الزي النسائي للتخفي والتستر من الملاحقات الأمنية للاستفادة من وضع وطبيعة المرأة في المجتمع السعودي حيث قبضت أجهزة الأمن في صيف ذلك العام في المدينةالمنورة على ثلاثة أسماء شهيرة من «مشايخ» التنظيم الإرهابي المطاردين والذين انتهجوا التكفير والتحريض وكانوا يتوشحون بلباس نسائي، كما أن مؤسس فرع تنظيم القاعدة في المملكة يوسف العييري قد كتب رسالة في ذلك الوقت عنونها ب«دور النساء في جهاد الأعداء» محاولا التنظير لماقد تلعبه المرأة من خدمة لأهداف التنظيم كونها إذا ما اقتنعت بأمر ستكون أكبر محفز للرجال على أدائه، مؤكدا ان دور المراة في تنظيم القاعدة تركز على ثلاثة محاور: المحور الأول حول الإيواء والتستر وخدمة العناصر الإرهابية المطاردة أمنيا كما حدث مع بعض نساء قيادات التنظيم، والمحور الثاني تركز في تبني بث أفكار التنظيم في أوساط المجتمع عبر مواقع الإنترنت بداية مع المنتديات الإلكترونية ثم وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، فيما تجلى المحور الثالث في جمع التبرعات وتمويل التنظيم. وحذر الزيادي من حضور عناصر نسائية يمتهن التحريض والتجييش لصالح أيدولوجيا القاعدة بعضها بأسماء صريحة مستغلة أوضاع بعض أقاربهن المتورطين في قضايا إرهابية والذين يقضون محكوميتهم في السجون وذلك عبر ادعاء «المظلومية» في محاولة بائسة لاستعطاف واستدرار مشاعر المجتمع لصالح خدمة تنظيم القاعدة الإرهابي وأهدافه، مضيفا ان خطورة انتماء أو تعاطف بعض النساء مع تنظيم القاعدة الإرهابي تتمثل في أنهن قادرات على الحركة بشكل خاص ومتخف يصعب كثيراً رصده أمنيا بحسب طبيعة المجتمع وظروفه الثقافية، إضافة إلى ما تمثله المرأة من نفوذ تربوي في محيطها الأسري والعائلي وبالتالي المرونة في تأسيس وبث أفكار متطرفة في أوساط النشء والأجيال الصغيرة وهو ما يحرص عليه التنظيم الإرهابي لتعويض العناصر التي يفقدها جراء الملاحقات الأمنية الناجحة إضافة إلى قدرة المرأة على جمع المال بمبررات شتى تحت دوافع خيرية ثم تمرير هذه الأموال لعناصر التنظيم الإرهابي. المصاهرة الجهادية لنشر التطرف ومن جانبها ترى الكاتبة والباحثة في الشؤون الأمنية بينه الملحم ان خطورة انضواء امرأة أو انتمائها لجماعة إرهابية تعد أكثر خطورة من انتماء الرجل لها، ذلك أن المرأة أكثر عاطفة وبالتالي إذا ما تم تجنيدها أو تأثرها بأفكار الجماعة أو التنظيم، فهي أسهل وأسرع في التنفيذ أو التحول للعمل وباستراتيجيات عديدة تدغدغ بها عاطفة المرأة وأضرب مثالا بالمصاهرة الجهادية فهيلة القصير -مثلا- قد تزوجت من عبدالكريم الحميد -كنموذج- عن طريق وسيط وهو محمد الوكيل أحد تلامذة الحميد وبعد طلاقها من الحميد تزوجها الوكيل، ولنقس على وفاء الشهري كذلك، مضيفة ان قضية المصاهرة من الخطورة التي يجب أن تلفت انتباهنا لمنعطف جديد نتوقف عنده في ظل تأكيد كثير من الدراسات أن بيئة المتطرفين مرشحة بقوة لتنامي الأفكار المتطرفة بين أفرادها، ما يعني احتمال تجاوز تأثر إحدى نساء المتورطين بفكره المتطرف أو الإرهابي إلى دعمه مادياً، كاللحاق به والتغرير بها تحت قيمة أخرى تتداخل والفكر الإرهابي كقيمة «الهجرة في سبيل الله»، بتهجير أولئك النسوة إلى بؤر التنظيم. متطرفات على مواقع التواصل الاجتماعي ويؤكد عضو مجلس الشورى والقاضي الدكتور عيسى الغيث ان «الإرهاب النسائي» لم يبلغ الظاهرة وانما ظهر في مرحلة محدودة وما ظهر له بنية ظهرت من خلال رصد مواقع التواصل الاجتماعي ومن اهمها «تويتر» حيث تم رصد عدد كبير جدا من النساء بالتوجه المتطرف. ويحذر العيسى من خطورة المرأة الإرهابية كونها تؤثر على اسرتها ومحيطها تأثيرا خطيرا، مضيفا ان حادثة المرأتين حينما ذهبتا لم تكونا لوحدهما وانما برفقة عدد من الأطفال وحدث ايضا ان وضعت احدى طالبات جامعة الامام شعار «القاعدة» في فناء الجامعة وكتبت عبارات مسيئة في بعض الدعاة فبناء على ذلك نعرف حجم الخطورة. تجنيد المرأة وتقول الكاتبة الدكتورة حسناء القنيعير: ليس غريباً على متابعي أفكار الجماعات الإرهابية وتحركاتها، وتنظيم القاعدة بشكل خاص، معرفة أن هذه التنظيمات لجأت إلى العنصر النسائي، لأن المجتمعات العربية والإسلامية تنظر إلى المرأة على أنها عنصر بعيد عن الشبهات، نظراً لتقاليد هذه المجتمعات التي تفرض على المرأة قيوداً خاصة تمنعها من القيام بأي دور عام، خصوصاً في مهام يغلب عليها الطابع الأمني والمجازفة بوجودها وحدها في أماكن تحيط بها الأخطار، لذا يأتي السعي المثابر من قبل جماعات الإرهاب لاستقطاب العنصر النسائي، وتفعيل أدوارهن بما يخدم مخططاتها لتنفيذ مهام ذات طابع لوجستي أو استخباراتي، وتفعيلا لهذا الدور قطعت امرأتان؛ أمينة الراشد ومي الطلق، حوالى 1500 كيلومتر لترميا بستة أطفال إلى نار القاعدة في الأراضي اليمنية، وكانتا تستعدان للالتحاق بتنظيم داعش الذي لا يقل دموية عن القاعدة، بالتنسيق مع الحوثيين في اليمن، اقتداء بأروى البغدادي ووفاء الشهري. وتشير القنيعير الى انه من خلال متابعة نشاط المنظمات الإرهابية في تجنيد المرأة نجدها تعمل على استغلال المرأة في أمور شتى حسب قدرتها واستعدادها النفسي والأسري وأيضا المهني، وتتمثل مشاركتها في نوعين: النوع الأول تجند فيه المرأة كعنصر للاستقطاب والترويج للفكر الإرهابي، بين الأهل والأقارب والجيران وزميلات العمل، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وهذا في مرحلة لاحقة، وذلك بالدعاية لفكر الإرهابي بن لادن والدفاع عنه، والحديث عن الظلم الذي يتعرض له الإرهابيون السجناء، والدعوة إلى العنف، وتمجيد الإرهابيين، والتحريض على الدولة، وذلك في مجالس النسوة المنغلقة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. والنوع الثاني: المشاركة الفعلية بالانخراط في العمل الإرهابي، وذلك بجمع الأموال باستغلال حب بعض النسوة لعمل الخير، وسذاجة بعض النسوة وقلة اطلاعهن فيطلبن التبرع للأيتام وأبناء سجناء القاعدة والأرامل، بعد أن يروين قصصا عن ورع الإرهابيين وجهادهم في سبيل الله، وغير ذلك مما يجعل الأموال والذهب والمجوهرات تتدفق عليهن فيسارعن إلى إرسالها للإرهابيين عبر وسطاء، أو يحملنها معهن كما عرفنا في عدد من الحالات، كما تستخدم بعض النسوة المنتميات للتنظيم في نقل الرسائل مكتوبة أو شفهية بين قادة التنظيمات الإرهابية، والاستعانة أحيانا بأبنائهن أو كبار السن من أسرهن. حلول لمواجهة التطرف النسائي وللدكتور منصور الشمري رأي مخالف في ما يتعلق بخطورة تطرف المرأة حيث يقول: المرأة تتفوق كثيراً في استخدامات الحاسوب كما أنها تتمتع بنوع من الإصرار والمتابعة المستمرة، لذلك ستكون فاعلة في توظيف التطرف الفكري عبر مواقع الويب ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، وتتميز نساء بلاد المغرب الإسلامي وأوروبا على العمل على نشر التطرف عبر مواقع النت والتغلغل في الوسط السعودي والخليجي لكن هذه المحاولات لم تحقق نجاحاً، مؤكدا ان أغلب النساء المنتميات للجماعات الإرهابية قد تأثرن بأقارب لهن، أو يحاولن الثأر من جهة ما، مثل الأمريكية كولين التي قبض عليها ومورييل البلجيكية التي فجرت نفسها، ومن المملكة هيلة القصير التي قبض عليها عام 2010، هناك نساء عراقيات وأخريات من دول عربية مختلفة، مضيفا أن استغلال النساء تحت مظلة الجماعات الإرهابية يعتبر عملا ضعيفا ولا يرتقي ليكون ظاهرة إطلاقا، وما تم من عمليات انتحارية أو لوجستية أو دعم مباشر كلها تعد أعمالا فردية خاصة أن الجماعات القتالية لا ترحب بالعمل النسوي كثيرا إلا بحدود ضيقة. مؤشرات التطرف عند المرأة أما الباحثة بينه الملحم فتشير الى رصد مؤشرات التطرف عند المرأة كجنس مختلفة عن الرجل، مبينه في الوقت ذاته ان عملية الرصد هذه من الصعوبة في ظل عدم وجود مصطلح أو مفهوم متفق حوله عن التطرف عند النساء وعدم وجود مؤشرات تدل على تطرف المرأة بخصوصيتها المجتمعية، وتداخل هذه الخصوصية خصوصاً الشكلية أو الظاهرية منها مع كثير من القيم الشرعية والدينية التي اختطفها الفكر الإرهابي والأمر الآخر ندرة الدراسات العلمية حول موضوع «التطرف لدى المرأة» من واقع الميدان المحلي. ويعود الزيادي للحديث ل«عكاظ» حول الحلول لمواجهة التطرف النسائي مبينا انه لا يوجد نشاط ظاهر وصريح يتصدى لأيدولوجيا القاعدة والجماعات المتطرفة من قبل الأسماء الدعوية النسائية المعروفة وهو أمر يثير علامات استفهام عديدة خاصة في ظل حماس «بعض الداعيات» في ممارسة حالة «تشغيب» واضحة وصريحة تجاه حراك المجتمع في الجوانب التنموية المدنية والقرارات التي تصدرها الدولة في هذا السياق، مطالبا بكسر الدائرة المغلقة للوسط الدعوي النسائي ومعرفة حقيقة ما يدور في كثير من جوانبه الغامضة وتزويده بعناصر نسائية ذات خطاب وطني فاعل ومؤثر حتى لا نفاجأ بما لا تحمد عقباه. ويشير القاضي الدكتور عيسى الغيث الى التقصير في نشر ثقافة الوسطية والتسامح، كاشفا ان خطوات العلاج ما زالت ضعيفة وخجولة، مستنكرا استمرار القنوات الفضائية المغذية للارهاب عبر ترسيخها نظرية الإرهاب حتى اصبح الإرهاب ينخر في جدار الوطن.